في عدم الوقوف بالضّد او مع اجراءات الإنتخابات , والتي تشغل اذهان الساسة في العراق اكثر ممّا يشغلهم الكوفيد , فلا يعني ذلك ايّ تبنٍّ لمبدأ الحياد الإيجابي او السلبي في العملية الإنتخابية , ولا يعني الذهاب الى دائرة اللا اكتراث , ولا اللجوء الى وسادة الى اللامبالاة , فأنفُس الجمهور في حالة غليانٍ مستمرة منذ سنينٍ طوال اعقبت الإحتلال , ولعلّه من الغرائب أنّ هذا الغليان لا تُتاحُ له عملية الإنفجار وفق قوانين الفيزياء , لحدّ الآن .!
الأكثر اهميةً من انعقاد الإنتخابات , وما قد يتخللها او يسبقها , وما قد تفرز عنها من اسماءٍ وارقام , والعاصفة في استمرارية الدوران داخل فنجان , فلا توجد قناعة نفسية لدى المجتمع بهذه الأنتخابات المفترضة , والأشدُّ والأخطر من ذلك هو زيادة وارتفاع سرعة الإقتتال السياسي داخل احزاب السلطة الحاكمة وسيطرتها وافتراشها للأجهزة الأمنية في الدولة , فضلاً عن الإنقسامات الحادة بين قيادات هذه الأحزاب وما يعتريها في البحث عن تحالفاتٍ جديدةٍ ” ضيقة الأفق ” بينَ بعضها .! ومع ما يرافق ذلك من عمليات التسقيط باللغة غير المباشرة , ووضع الجيوش الألكترونية في حالة الإنذار القصوى والتي لا تمتلك لما تقوم به سوى محاولات التشويش على الجمهور .. ما نسمّيه هنا بالإقتتال السياسي موصولٌ الى جبهاتٍ اخرى , واوّلها التدخلات الخارجية في الجوانب المصيرية والستراتيجية لسيادة وأمن العراق , والتي بلغت حدّ التحكّم في توجيه بوصلة ادارة البلاد واقتصادها وحتى ديموغرافيتها .. الخلافات مع الأقليم وبشكلٍ خاص مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي تتحكّم فعلياً بكردستان , فما برحت غير قابلة للحل ولا للحلول الوسطى والى أجلٍ مسمّى او غير مسمّى .!
الستراتيج الآخر في هذا الشأن الشائن , أنّ معظم سادة ال VIP اضطرّوا للإعتراف أنّ من ضرورات الإنتخابات المقبلة هي الإستجابة لما افرزته التظاهرات والحركة الإحتجاجية الجماهيرية ” التي دفعت ثمناً باهضاً وغالياً في شهدائها وجرحاها ” , لكنّ هذه الإستجابة لا تعني قطْ تنفيذ مطالب جموع المتظاهرين إلاّ ببعضِ جزيئيات الجزئيات ذاتَ الرتوش .! , لكنَّ مكمن الخطر الصارخ مع استمرار التظاهرات في عددٍ من المحافظات الجنوبية ” لغاية الآن ” فيتجسّد تراجيدياً ودراميّاً بعمليات خطف واعتقال واغتيال وملاحقة بعض الناشطين المدنيين في تلكم التظاهرات , وبالرغم من أنّ هذه الحالات قد تضاءلت , لكنّ ابعادها النوعية وانعكاساتها على الجمهور , فهي تكاد توازي ابعادها الكمية او اعدادها من نواحٍ سوسيولوجية ونفسية وسواها ايضاً , لكنّ التساؤل البالغ الخطورة والذي يعجز كافة سياسيّو السلطة في الإجابة عنه او عن جزءٍ منه , هو من اين جيءَ بهذا الحق ! في اعتقال وإخفاء ناشطين ” ومنذ عام 2018 على الأقل ” منْ قبل جهاتٍ خاصّة محسوبة بشكلٍ او بآخر على احزاب السلطة , وفي ظلّ وجود الأجهزة والقوى الأمنيّة التي تحت سيطرة قيادات هذه الأحزاب , وقطعاً لو كان هنالك ايّ خللٍ أمنيٍ لبادرت الأجهزة الأمنية بعملية الأعتقالات وقامت بتسليمهم الى القضاء .
إنّها حالةٌ سوداويةٌ غامضة تسود الدولة والمجتمع وتتحدى الرئاسات الثلاث في ايّ حكومةٍ سابقة او لاحقة , وهذه الحالة غدت كالأحجية المكشوفة الفاقدة لمعظم رموز طلاسمها .!
وإذ تناولنا هنا جانباً خاصّاً من بينِ جوانبٍ واعتباراتٍ جمّة لحالة عدم التوازن الشديدة الإهتزاز لما بين مفهوم الدولة المفترض والمجتمع , وما بين المجتمع والأحزاب الحاكمة , فإنّ المتطلبات الموضوعية قد تتطلب الإنتظار لمئةِ سنةٍ وسنةْ لبلوغ المرحلة الأنتخابية الموضوعية ذات المصداقية , وبعيداً عن جمهورية السيد افلاطون ومدينته الفاضلة .!