18 ديسمبر، 2024 9:33 م

عند استيقاظي كل صباح أحتسي قهوتي، وأنخرط في مشاغل الحياة وأتابع أعمالي وأمارس يومياتي، بشكلٍ يبدو طبيعياً للجميع.

وعلى الرغم من أني قد قاربت الثلاثين من العمر, إلا أنه لازال هناك الكثير في جعبتي من الأهداف والطموحات التي  لم أحققها إلى الآن.

روحي كانت كطير الحمام تحلق في السماء محاولة اكتشاف هذا العالم الواسع الكبير، لكن نكبات الزمن ومطباته لاتترك أحداً في حاله ونظرات أفراد مجتمعنا لاتزالون مصرين على تسييس ألفاظهم الجارحة والغمز واللمز عبر كلماتهم التعيسة وألقابهم البائسة ومحاولة النيل مني بعبارة (العانس).

لم يحترموا مشاعري ولم يحفظوا قدري بل يبحثون عن أي ثقب للتسلل منه واستفزازي بأبشع العبارات وخلق المشاكل النفسية لي من لا شيء, وكأن هذا العالم الذي نعيش فيه متفق على قاعدة ومبدأ طبيعي بالحياة أن الفتاة اذا وصلت بعمر محدد بحسب فهمم ومعتقداتهم البالية أصبحت كالحجر الذي يثقل كاهل عائلتها, وصيحات المجتمع والأشخاص المقربين لي مازالت تعلوا بعبارة (العانس).

في بداية الأمر لم أعير اهتمام لكلامهم، بعدها بدأت الأفكار تلازمني بين فنية وأخرى فجعلتني أصاب بالإحباط وعدم الثقة بنفسي.

أصبحت انظر إلى وجهي كل يوم بالمرآة صباحاً وأنا أتحدث مع ذاتي المتشائمة وأردد في نفسي قائلة: هل فعلاً كبرت؟ هل فعلا شكل وجهي تغير، وظهرت التجاعيد عليه ؟هل بشرتي أصبحت باهتة ووجهي نحيل؟

بقيت على هذا الحال كل يوم إلى أن وصلت بعمر تجاوزت فيه سن الثلاثين عاماً، وقلقاً من حديث الناس تركت عملي, والسؤال الذي يراودني دائماً، متى تتزوجين؟ ومتى يأتي فارس الأحلام؟ تقوقعت على نفسي وبقيت حبيسة غرفتي حتى أصبحت غير قادرة على انجاز أعمالي، بت مكتئبة، وضحكتي مهزوزة ومرتبكة، وأشعر بالعجز أمام هذا الكم الهائل من البؤس، وأترك شعري على سجيته, حتى المرآة أصبحت هي عدوي اللدود لم أعد انظر اليها.

كان كل يوم يمر وكأنه دهر كامل، أصبحت خائفة من علامات لم تعد مرنة وناعمة كما كانت سابقا ،كنت خاضعة لعذاب نفسي مستمر جعل مني شخص تدور في رأسه أفكار سوداء لاوجود لبصيص أمل فيها.

وغالباً ما اسأل نفسي هل أصبحت على غير طبيعتي؟ أين أنا؟ من أنا ؟ أين اختفت شخصيتي السابقة؟ هل فعلاً لم يعد لي مكان في عش الأمومة بعد ألان؟ وعلى هذه الشاكلة جعلوني اصدق كذبة كبيرة ووهم أكبر إذا اعتقدت أنني فعلا أرى نفسي سوى وجه شاحب وتعابير حزينة لاتزودها الابتسامة ولا يفارقها العبوس والقنوط ،والأملتلاشى شيئا فشيئا، وأنا انظر إلى تقاطع وجهي في المرآة ما الذي ينقصني ياترى؟ أحسست لأول مره أن الزمن قد توقف ،وعقارب الساعة تجمدت.

وكأن الحال الذي نعيش فيه هو مجرد فلم سينمائي أسست نهايته حزينة لطرف واحدمن كادرها التمثيلي بأسرة .

عندها أيقنت بأن حالة الكره لذاتي واليأس الذي أتنفسه كل يوم والذي أوصلني إلىحافة الهاوية وكأني ارتكبت جريمة ماهو إلا رأي وعرف مجتمع جاهل تربى وعاش على مبادئ اغلبها خاطئة والتي تمخضت عنها تقاليد تجسد في أذهان الإفراد بأن المرأةلايمكنها أن تحيا ولا يمكن أن تستمر حياتها إلا في كنف الرجل وتحت سقفه وظله وكأنهما تابع ومتبوع .

وان هذا المجتمع الذي جعل المرأة تصدق كثرة الأوهام التي رسخها في ذهنها بأنها ليست نصف المجتمع وان حقوقها اقل بكثير من حقوق الرجل لكن الواقع والحقيقة هو خلاف ذلك تماما لذلك أيقنت بأن الألم الذي أتعايش معه كل يوم لا يستشعر به احد سواي، والضغوطات التي تمارس علي كوني امرأة فهي توجه الي وحدي.

لذلك وعدت نفسي بأن أعود كما كنت من قبل واسترجع ذاتي وشخصيتي المتفائلةالنشيطة صاحبة العزيمة والإصرار وأعود بحياتي الحافلة بالعمل والعطاء ،والهمة العالية ،والثقة بالنفس ،والقدرة على مواجهة الصعاب والتحديات.

فكل يوم جديد ياتي هو نعمة من رب العالمين ويجب استغلاله بشكل جيد محفوفا بالنجاح والإبداع كل ذلك من اجل أن أري مجتمعي بأن المرأة ناضجة ومستقلة ولا تحتاج إلى عطف من احد وما أجمل هذه العبارة (ربما خير لم تنله .. كان شرا لو أتاك).