أعترف أنني لم أكن يوما سني الهوى والمذهب لسبب بسيط هو أنني لم أجد مُذ وعيتُ الدين للمذهبية الى عقلي سبيلا، وكنت أعتقد أن الله أكبر من أن أضعه في زجاجة ضيقة، وأن الدين لا ينصر باختلافات حول طقوس تعجز عن نقلنا من الأرض وقيمها الى فضاء الله الأوسع الرحيب وقيمه العالية المتعالية.
(كان).. لدينا في البصرة مسجدان باسم المقام يقع كلاهما على الشط مقابل أسد بابل، واحد باسم مرقد الأمير أو “المقام” هو بالأحرى حسينية فيه غرفة يقال عنها ضريح يجاوره من الجهة الأخرى جامع المقام ويقع في منطقة العشار، ويمتاز بنقوشه العربية الجميلة المكسوة بالفسيفساء التي تغطي قبته ومأذنته.
عندما كنت في الحادية عشر من عمري، كنت أصلي في مرقد مقام الأمير خلف السيد سعيد الحكيم رحمه الله، ولكنني تركته واتجهت للصلاة في الجامع المجاور، لسببين:
– إن الأول كان مزارا يكتظ بالنساء من كل حدب وصوب، يطلبن مرادهن من الله عند هذا المقام، وقيل إن الإمام الرضا عليه السلام حل فيه في طريقه الى خراسان، وكنت أتضايق من الأصوات المرتفعة والصراخ أحيانا بما يقطع علي فرصة التأمل والحصول على فرصة للخشوع ومناجاة الله.
– ولأن المصلى، لم يكن نظيفا على الإطلاق، وكنت قبل الهروب منه ابتكرت فكرة أن أضع تحت “التربة” ورقة كلينكس معطرة، لأتفادي قليلا رائحة الجواريب التي تلصقها مثل لزقة جونسون، أقدام المصلين، وهم غالبا كسبة المنطقة والباعة المتجولون لعل الله يغير حالهم الى أحسن حال.
وقد تعرفت على جامع المقام بشكل جيد عندما كنا نتذاكرالدين والدعوة وسبل تغيير نظام البعث في زمن أحمد حسن البكر، مع رفيق درب الإيمان “فريد” واسمه حاليا في التلفزة الايرانية حيث يعمل منذ عقود ” فريدون بياكوئي”، وهو الذي اصطحبني للصلاة فيه لأنه نظيف وهادئ. وكان القائمون عليه يفرشون قطعا كبيرة من الحصير خارج المصلى في الإيوان الكبير الذي يسبق الدخول اليه ليوفروا بذلك للمصلين من أمثالي الباحثين عن “النظافة والخشوع”، مكانا للسجود لا يؤكل ولا يلبس.
ولمن يحب الصلاة داخل المسجد، جماعة خلف إمام سني، أو فرادى بعد انتهاء صلاة الجماعة أو حتى قبلها، فان المسجد كان مفروشا بالسجاد وتحته وضع حصير من ذات جنس المفروش في الخارج، وبطريقة كانت تسمح بالسجود على الحصير. وطبعا لا نشم هناك ريحة جوراب. أتعرفون لماذا؟
كنت أصلي خلف الإمام السنّي بحسب ما كان يسمح به الوقت بعد العودة من الجامعة حيث كان لزاما علي المرور بالمسجد في طريق العودة للبيت. كما لم يكن أحد يعترض إذا تقدم أحدنا ليؤمَّ من فاتته الجماعة مع الإمام، وكثيرا ما كان الشبان والشيوخ السنّة يُصلون خلفي، فلا طائفية كانت تمنعنا عن ذلك ولاهم يحزنون.
نعم. كنتُ أصلي في جامع السنّة ولم أكن سنيا ولن أصبح سنيا كما يفعل بعض إخواننا الأهوازيين معتقدين أنهم يحصلون بذلك على تأييد المحيط العربي لقضيتهم (ضيعوا المشيتين) فالرائج في يومنا هذا هو مذهب، وأنا أرفض أن أنضم لمذهب لأنني منتم الى دين أكبر من المذهب، وأن الطريق الى الله بعدد أنفاس الخلائق.
أنا إنسان مسلم بمعنى إن الدين عند الله الإسلام.
أنا مسلم أقبل الأديان الأخرى وأعتقد أن الكل مسلم لله مؤمن به وإن اختلفوا باسم الإله وصفاته، فجميع الأديان تقوم على القيم وهما الحسن والقبح العقليان.
وأنا سنّي لإنني أؤمن بأن السنّة هي قول وفعل وتقرير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنني شيعي بمعنى أنني من شيعة النبي أولا ومن متبعي سنته ثانيا.. فأنا إذا سني علوي وشيعي محمدي، وسني محمدي وشيعي علوي وكلاهما واحد.
لكنني بالتأكيد لست سنيا أمويا لإن التسنن من وجهة نظر معاوية ويزيد ومن اتبعهما (باحسان) يتعارض مع التشيع العلوي، ذلك فأنا لست شيعيا صفويا لإن تشيع الدولة الصفوية كان يتعارض مع التسنن المحمدي، وكلاهما التسنن الأموي والتشيع الصفوي واحد.
إذا فأنا لست سنيا أعادي التشيع المحمدي، ولست شيعيا أعادي التسنن المحمدي وكلاهما واحد.
ولهذا فإنني أسمي كل سني يعادي التشيع المحمدي أو العلوي عن جهل بأنه من نعاج السنة، وأسمّي كل شيعي يعادي التسنن العلوي أو المحمدي عن جهل بإنه من نعاج الشيعة.
وأرجو مِن كل َمنْ لم يفهم مقالي ألا يحمله مالا يتحمل من تأويلات، فهذه بضاعتي مزجاة على قدر حالي.. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ.. والعاقل يفهم.
مسمار:
افلاطون: “نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر”.