عبثا يحاول الإمساك بلحظة هاربة من ماضيه، حيث تمنى أن يستبدل رفضه بالموافقة ، هذه كانت أقصى أمنياته… كانت الامتحانات النهائية للسنة الأخيرة لهما في الجامعة، بارتباك وخجل امسكت يديه قائلة: سنهاجر… تعال معي، استعرض سريعا والدته وإخوته الخمسة، من يرعاهم؟ كان يحمل آمالا عريضة في التعيين الذي سوف يبدل احواله، لولا القدر الأرعن ، ومن يتحكمون به، حين استيقظ القائد الضرورة ذات صباح ليقرر أن العراق تسع عشرة محافظة وليست ثماني عشرة، طفرت دمعة من عينيها وهي تتلقى ذلك الرفض. لم يلتقيان بعدها. تقفز تلك اللحظة على ذاكرته المثقلة كل ما ضنكته الحياة، وهرست روحه عربة الحمل التي يجرها بدلا من أحلامه التي تبخرت وسط سنوات الحصار العجاف، اي قدر احكم قبضته عليه.
كان يلوم نفسه مرارا… لماذا لم يطاوعها؟! كيف فرط بها؟! لماذا تخليا عن بعضهما بتلك السهولة؟! ولم تحاول هي الاتصال به بعد عودة خدمة الهاتف التي انقطعت جراء القصف. الغريب أن طيفها يلازمه في يقظته ومنامه، يشعر بقربها منه، ملامحها الجميلة، ابتسامتها العذبة ! يتخيلها احيانا تناديه فيفز متلفتا بلهفة. أين هي الآن يا تُرى؟! أي حياة مرفهة تحيا؟! هكذا كان يفكر، حين استفاق من أفكاره على صوت يناديه باسمه، إنه زميله في الجامعة، لم يره منذ ثلاث سنوات تحدثا طويلا، سأله عن جميع من يعرفهم، وفي باله شخص واحد فقط… حبيبته…
بعد تردد واستحياء سأله عنها، نظر زميله باستغراب قائلا: ألم تعرف؟! رد بوجوم: أعرف أنها سافرت… أجاب صديقه بحزن : لا يا صديقي، تأخر سفر العائلة بعد أحداث الكويت… قاطعه بلهفة: هل ما زالت هنا؟!!! رد بحزن أكثر: لقد كانت وعائلتها من ضحايا ملجأ العامرية.