التحقا في نفس اليوم الى مركز تدريب مشاة بغداد ووضعتهم الاقدار في سرية وفصيل وحضيرة واحدة وكان حسين عبد العباس عبد الزهرة القادم من قرية (خرائب ورتان ) ذا سمرة وملامح حادة تدل على جنوبيته بدون مراء وهذه القرية تقع في المنطقة الفاصلة بين خان بني سعد ومدينة الثورة ولاتظهر على الخريطة ولاتدل عليها معالم ولاتوصل لها طرق عدا طريق نيسمي يربط بينها وبين اطراف مدينة الثورة يقطعة السائر بالسير الحثيث بحدود ساعة واخر يربط بينها وبين ناحية خان بني سعد الواقعة على تخوم محافظة ديالى ولايميزها الا مرور نهر ( المضايفي ) قريبا منها وجيرتها لقرية ( عبد العوده ) التي تبعد عنها بضع مئات من الامتار وهي متكونة من اقل من عشرة بيوت لاتعرف الكهرباء ولا الاجهزة التي تعمل بها وتخلو القرية الا من بعض اجهزة راديو راديوات نوع روسي ذو (11موجه ) وعندما كبر حسين اشترى دراجة هوائية مثل اغلب ابناء القرية يقضي العصريات بركوبها مع اقرانه او عندما يكلفه اهله بجلب شيء من القرية المجاورة التي تكبر قريتهم وفيها اشياء لاتوجد في خرائب ورتان اذ كان هناك دكانا بقالة ومحل حلاقة ومصلح اواني منزلية ومضمد وخياطة عباءات نسائية وخياط ( دشاديش ) ولهم مختار وشيخ ومسؤول حزبي ومدرسة ابتدائية.. حسين الذي يتذكر كيف نزح اهله بعد اكماله الثالث الابتدائي من منطقة ( ام عين ) في اطراف العمارة الى خرائب ورتان للعمل اجراء في اراضي احد الملاكين بعد ازمة الطحين التي تصاعدت في كل العراق عامي 1971 و1972 وكيف فرح لعدم وجود مدرسة في سكنهم الجديد وكل ما تقدم حسين بالسن كلما اكتشف مسافات اطول بعيد عن قريته حتى وصل الى نهاية الثورة ذات يوم وعبر السدة التي تمثل حماية للمدينة من فيضانات نهر ديالى والحد الفاصل بين المدينة والاراضي البور الممتدة من خلفها الى بستان (النورجي ) ومعمل حليب (حكمت بيك ) قرب ديالى وعندما دخل سوق (الفلكه ) في اخير الداخل وجد زحاما اصابه بالدوار : بضاعة متنوعة يعج بها المكان وباعة ينادون على بضائعهم بنغمات واسعار مختلفة واناس تشتري واخرون يبيعون ونيون تتوهج وروائح الاطعمة خصوصا المشويات تنفذ للانوف ومشروبات غازية وعصائر وسيارات تلفظ مافي داخلها لتملأ جوفها بغيرهم حتى فقد القدرة على معرفة ما يريد من هذا السوق الذي خالجه الظن اكثر من مرة ان هؤلاء جن وليسوا بشرا) خصوصا عندما كادت دراجته ان تسرق وهو مندهش لكن القدر كان رحيما .. قرر ان يعود الى الخرائب بعد شراء جرس لدراجته وتناوله (لفة ) كباب واخبار صحبه بما اكتشف من عالم سري وهكذا اصبح لاعمل لحسين سوى المجيء لمدينة الثورة مع اترابه كلما سنحت الفرصة واكتشاف مجاهيل جديدة فعرف سوق (اعريبه ) والصرافية والوحيلات والاولى ومثل ماجلان عرف سوق( 55) وسوق الحي ومْريدي واستهواه السوق الاخير فقرر ان يعمل فيه بمهنة مصلّح دراجات – فتعلم النصب والاحتيال والغش والتدليس وكل العادات التي يمارسها اهل السوق وكان غالبا ما يتأخر عن الذهاب الى بيته لعدة ليال واصبح عضوا في شلة او عصابة لافرق واصبح اسما معروفا في السوق وبمجرد ان يطرق الاسماع اسم حسين (ورتان ) تصاب بعض القلوب بالهلع ولم يفكر باكمال تعليمه او الانتماء الى احد الجهات فقد كان امينا لنفسه ولمن يدفع اكثر في انجاز مهمة خطرة حتى تم تسويقه للخدمة الالزامية . وكان رفيق السلاح الآخر سفيان عيفان خطاب من قرية (حمد ) اخر قرى الخرجه والعلم وتطل على الشارع الرابط بين كركوك وبيجي وتقابل (طوبزاوه ) تلك القرية الكردية الكبيرة التي هدمتها الحكومة بعد سنوات وكان اهل هذه القرية يعملون على تربية الخرفان وتسمينها وبيعها سواء في القرية او في سوق تكريت او بيجي او حتى طوبزاوه وكركوك وكان ابو سفيان من اكبر تجار الماشية في القرية وعندما فشل سفيان في اجتياز الصف الرابع امره ابوه بترك المدرسة والعمل معه في تجارته وخلال سنوات برع سفيان في المهنة حتى بز ابوه ( أباه ) واشتهر سفيان بين اقرانه بأنه اشهر تاجر أغنام واصبحت قدرته في خداع الزبون وغشه وبيعه الذبيحة باغلى الاثمان مضرب المثل حتى كاد ابوه ان يحيل نفسه للتقاعد لولا سوق سفيان للخدمة العسكرية .
في يومهم الثالث بمركز التدريب جمع العريف السرية وقرأ الاسماء ثم سألهم من فيهم عمل (راعيا ) فرفع
سفيان يده ونغز حسينا طالبا منه رفع يده ففعل ولما اكتمل العدد (40 ) سجل العريف اسماءهم وطلب منهم الرجوع للقاعة وفي الطريق اخبر حسين سفيان بانه لايذكر ان عمل راعيا ولو ليوم واحد بسبب عدم امتلاك اهله حتى ولو نعجة واحدة فأخبره سفيان ان مكانا ممتازا ينتظرهم وعليه ان لايفرط بالفرصة خصوصا وانهما اصبحا فريقا واحدا ولايجب ان يفترقا , وافق حسين على مضض وواصلا سيرهما .
بعد ساعتين وصلت عجلة (ايفا) خالية الا من سائقها يرافقه عريف ووقفت بين القاعات فلعلع صوت الصافرة وغادر الجميع القاعات وبعد اكمال التعداد اخرج العريف من جيبه قائمة وطلب من كل جندي يقرأ اسمه الوقوف بمحاذاة الايفا وهكذا اكمل اربعين اسما من ضمنهم حسين وسفيان وتم اركاب الجميع في الايفا التي اوصلتهم الى معسكر ابي غريب بعد نهاية الدوام باكثر من ساعة وتم اسكانهم باشراف ضابط الخفر بعد التوقيع على كتابهم وتوفير طعام الغداء لهم ومن ثم السماح لهم بالراحة على ان يكون حضورهم مع بقية افراد الوحدة في الساعة السابعة صباحا في ساحة العرضات وعلى اسرة الراحة تكلما حتى داهمها النعاس وفي الليل ذهبا الى حانوت المراتب وشاهدا برامج التلفاز حتى العاشرة حيث موعد اطفاء النور , في الصباح رافقهم ضابط شاب برتبة نقيب الى احدى قاعات الدرس وبعد الجلوس والترحيب تكلم عن الوطن وواجب الجندي في حمايته والدفاع عنه وحمسهم حتى ظنوا انه سيزج بهم في المعركة بعد ساعة لكنه اخبرهم انهم اختيروا لواجب خاص يختلف عن الواجبات الاخرى وهذا الواجب يعني حماية الوطن في اغلى مايملك ثم اردف انكم ستشتركون بدورة قناصين متطورة يحاضر بها خبراء روس وعراقييون ومن يحصل على موقع متقدم في الدورة سيضع في مكان مهم لكن لايمكنكم الاشتراك مالم تجتازوا الفحص البدني والطبي وتم اعداد منهج الجدول البدني اعتبارا من صباح غدا في الساعة الخامسة ولمدة نصف شهر ومن يجتاز بنجاح يحول على الفحص الطبي الذي يعتبر البوابة الاخيرة للاشتراك بالدورة , واجتاز سفيان وحسين الفحص البدني والطبي بنجاح ابهر القائمين على الدورة خصوصا في مجال النظر في المساحات المفتوحة الشاسعة وفشل نصف العدد وتم اعادتهم لمركز التدريب وفي صباح اليوم الاول من الدورة تم تسليم كل مشارك فيها بندقية (دراكانوف ) وقنباص وناظور وتخالف الخبراء الروس والعراقيون على منصة الدرس جيئة وذهابا مع اتفاقهم ان الطالب الابرز والاذكى في الدورة هو حسين عبد العباس وخلال فعاليات الدورة اثبت الطالب حسين انه من الممكن ان يكون قناصا بمستوى عالمي لو توفر له التعليم والتدريب المناسب واشيع داخل اروقة الدورة ان الاول سيمنح رتبة ملازم مهما كان تعليمه وان الخمسة الاوائل سيرسلون الى روسيا للاشتراك بدورة عالية الاعداد والمستوى هناك وكان حسين يثبت كل يوم علو كعبه في التحصيل الدراسي لا بل اندفع اكثر من هذا حتى حفظ كل الكلام الروسي الذي يتحدث به الخبراء حتى صرح احدهم ان اللغة لم تقف عائقا بوجه حسين فيما لو ارسل الى روسيا لدراسة فنون القنص وفي التفاتة من احد الخبراء تم عرض فيلم عن الحرب العالمية الثانية يتصارع فيه قناصان الاول امريكي ذو خبرة كبيرة والاخر روسي شاب لكنه ذكي وفي نهاية الفلم طلب الخبير من المشاركين بالدورة ادراج ملاحظاتهم كقناصين ويجب ان تكون ملاحظات مهنية عالية وقرر منح درجة عالية لمن يكون بحثه الافضل وفي اليوم الثاني اعلن الخبير نفسه عن فوز بحث حسين وافراد ساعتين تعليميتين لمناقشة النقاط الواردة فيه وعند المشاركة في البحث والنقاش اكتشف المشاركون ان حسينا شخّص بدقة اخطاء كل قناص واوجد البدائل وكان مما يلفت النظر ان ردود حسين كانت كلها بالروسية ولم يحتج لحرف من عربيته مما اذهل الخبراء الروس والعراقيين واطلقوا عليه ( النابغة ) وسأله احد الخبراء الروس بالروسي لماذا لقبك ورتان وهو اسم ارمني في حين اسمك حسين ويدل على انك مسلم فرد عليه بلغته كنت اسكن قرية اسمها (خرائب ورتان ) ولما اشتغلت باحد الاسواق كان هناك الكثير ممن يشابهونني بالاسم فتم تمييزي بورتان وانا سعيد بهذا التميز .
انتهت ايام الدورة ومنح المشاركون يومان اجازة استعدادا للامتحان فغادر المعسكر من رغب وبقي حسين وسفيان ومجموعة اخرى للاستفادة من الوقت بعدها استمرت الامتحانات اربعة ايام وكل الدلائل تشير الى وجود فارق كبير بين حسين واقرب ملاحقيه وفي صباح اليوم الخامس تم تصحيح الدفاتر وارسالها للدوائر المختصة لوزارة الدفاع في الوقت الذي اخبر كبير الخبراء حسين بانه يبتعد باكثر من 30 درجة عن اقرب منافسيه ففرح حسين ايما فرح وحلم ان خرائب ورتان سترى لاول مرة في تاريخها احد أبنائها يحمل رتبة ضابط ويدخل القرية مزهوا . منح الجميع سبعة ايام اجازة لحين رجوع النتائج من وزارة الدفاع فتوادع المشاركون وكلهم هنأ زميله حسين بما حصل عليه من نتائج وخرج حسين وسفيان متشابكا الايدي نحو الشارع العام وهما فرحان بصداقتهما ونجاحهما .
بعد انتهاء الاجازة اقامت الوحدة احتفالا بتخرّجهم حضره امر الوحدة وضباطها والخبراء الروس وبعد كلمة الامر والتوجيه السياسي وامر الدورة والخبير الروسي تلى ضابط التوجيه السياسي الاوامر والبلاغات التالية وفي مقدمتها الامر الرئاسي :
1- يمنح الطالب سفيان عيفان حطاب الاول على الدورة رتبة ملازم ثان اعتبارا من اليوم لاغراض الخدمة والراتب
2- ينقل الملازم سفيان عيفان حطاب الى فوج الحماية الرئاسي الثاني
3- يمنح المشاركون بالدورة صفة اختصاص ( قناص ) يمارسونها في الوحدات التي ينقلون اليها
4- خلال (48) ستصل كتب نقلهم للوحدات العاملة في الجبهة
اصيب الخبراء الروس بالصدمة لكنهم التزموا الصمت وهنأوا الفائز الاول وبقية المشاركين وسال احدهم حسين وهو يهنئه .. ماهو شعورك ؟ فقال على الفور المهم ماحصلت عليه وليس المهم ماخسرته ثم تخطى الجميع وهنأ صديقه وزميله سفيان بكل حرارة وهمس بأذنه لاتهتم صديقي حتما سنلتقي ذات يوم فقال حسين ان شاء الله صديقي لكن اعلم لن انقطع عن زيارتك كلما عدت من الجبهة فضحك حسين وقال قد لاتسمح ظروف الجبهة باللقاء صديقي ثم قبله وقال الى اللقاء ,صدر كتاب نقله الى سرية مشاة تعسكر في قاطع سربيل زهاب ويتوزع واجبها بزرع مفارز على الطريق وبعد ان سلم كتابه الى (قلم ) السرية طلبوا منه الانتظار ريثما يطلع السيد الامر على كتابه وبعد دقائق استدعاه الامر ولما مثل بين يديه سأله :
· من اهل وين يولو ؟
· فاراد ان يبعد خرايب ورتان من الاجابة تجنبا لكثير من الاحراجات فقال من الثورة سيدي ؟
· منين بالثوره يولو ؟
· خلف السدة سيدي
· يعني بالشيشان ؟
· نعم سيدي
· كلكم حراميه
· شكرا سيدي
· يول تعرف تركب ماطور ؟
· نعم سيدي بس صنفي قناص سيدي
· اشتقنص هينه ( صخول )
· روح استلم الدراجة ويومية توزع البريد على المفارز
· امرك سيدي
وخرج من الامر باتجاه القلم وسلمهم الكتاب فحولوه على الاليات ليستلم دراجة , استلم الدراجة بعد ان وقع مستند الاستلام وذهب بها الى مكان ما في السرية ولم يركن للراحة الا بعد ان ضبطها تماما وقال لنفسه مهنئا هذه احسن بنديقة قنص استلمها .
عاد سفيان بعد ثلاثة اشهر من روسيا لكنه لم يتقن الروسية ولم يتطور مستواه للحد المطلوب ومع هذا كلفته القيادة بواجبات قمة في الخطورة وكان كثيرا مايكلف بتصفية عضو من السلطة باء بغضب الرئيس وكانوا يرتبون له مواقع مخفية في مداخل الوزارات والدوائر المهمة وقاعات الاجتماعات ليقنص احدهم تم تحديده بقوة وفي ظرف سنتين وصل رتبة رائد واصبح يملك بيتا ومزرعة وسيارات فارهة واكثر من عشيقة وعلاقات مع المسؤولين وكان الحلم الذي يراوده نفس الحلم الذي يدور في مخيلة حسين على طريقة الفلم الذي عرض ايام الدورة هذا قناص ببشرة حمراء وشوارب كثة صفراء وحسين قناص بسمرة جنوبية لوحتها شمس خرايب ورتان والاماكن الاخرى لكنه يتوجس في نفسه خيفة اذ يعرف امكانيات حسين وخبرته وكم كان يتسقط اخباره لكنه لم يحصل على شيء وفي احد الايام كلف بالاختباء في احد العمارات القريبة من مديرية التقاعد العامة لقنص شخص حددت هويته ومواصفاته بدقة يقوم بقتله عندما يكون امام كازينو 14 رمضان لكن اثناء الانتظار لاح له من بعيد شخص يشبه حسين عبد العباس كثيرا فقرر قتل الشخصين معا وعند ضغطه على الزناد كانت سيارة تمر مسرعة فوصلت رصاصته والسيارة بنفس اللحظة بحيث سقط المغدور تحت عجلاتها حتى بان للاخرين ان الحادث دهس عادي ولم يكتشف الامر الا في المستشفى وشعر بالزهو وهو يقتل اقرب صديق واكبر غريم وبقي في مكانه لحين وصول الضحية الاخر وكان مسؤول سابق وبعد ان انهى واجبه تاكد من خلو الحجرة من الضروف الفارغة ثم وضع البندقية في غلافها الذي يشبه غلاف آلة موسيقية واصلح هندامة وضبط وضع الوردة الحمراء التي يزين بها ( ذيل ياقته) وغادر البناية من بابها الخلفي راكبا سيارته الفارهة لكن هاجسا كان يلح عليه كيف يتأكد من القتيل الاول ثم قرر تناسي الامر وعندما وصل البيت اخبرته زوجته انه مطلوب حالا في الدائرة فغادر مباشرة وعندما وصل اخبروه ان السيد المدير بانتظاره وعند الدخول واجهه المدير بسيل من السباب والشتائم ووصفه بالغبي والحاقد والفاشل ولم يسمح له بالدفاع عن تفسه الا بعد ان اكمل ما بدأه ثم طلب منه توضيح سبب قتله الضحية الاول فتلعثم ولم يجد جوابا لكن المدير عاجله وقال قتلته متصورا انه رفيق السلاح والصديق والزميل الذي سرقت رتبته وموقعه واستحقاقه لشعورك بالنقص في حين يتطلب بك ان لاتقتل ثأرا لنفسك وانما تنفيذا لاوامر القيادة لقد جعلنا منك انسانا ودفعناك لاكمال تعليمك ووفرنا لك العيش في ارقى المناطق ومتعناك بالسيارات والبيوت الفارهة والنساء الجميلات ومهما تكون العقوبة هذه المرة غير كافية فأني اوعدك ان العقوبة القادمة ان تكرر الجرم ستقصم ظهرك وتعيدك الى قرية حمد في اقصى الخرجه والعلم وتجارة بيع الخرفان ايها الراعي الوضيع.
ثلاثة شهور مرت على حسين وهو يوزع البريد بين الربايا ويجلب لآمر السرية احتياجاته من خمر ومكملاته من دون ان يعرف شخص اخر بالامر حتى كسب ثقته وفي هذه الشهور عرف حسين كل المداخل والمخارج والطرق المؤدية الى العمق الايراني وتعلم من الرعاة اللغة الكردية في كرمنشاه حد الاتقان وفي الشهر الخامس قرر تنفيذ ما اختمر براسه وفي الليل غير لون دراجته بعدما حصل على ملابس مدنيه من صديق كردي واتفق معه على الانطلاق في الساعة الرابعة صباحا نحو العمق الايراني وبعيدا عن مناطق القتال وعندما اجتاز كرمنشاه قدم طلب لجوء باعتباره مدني عراقي وليس عسكريا وخضع طلبه للتدقيق وقبل بعد فترة ومنح الكارت الازرق وحدد له موقع اقامته وبعد فترة اتصل بالمعارضة العراقية وعند اللقاء اخبرهم انه لن يبوح بما عنده الا لمسؤول معروف وعلى مستوى فتم نقله الى طهران وهناك اطلعهم على خبرته واستعداده لوضعها في خدمة المعارضة شريطة ان يترك له هامش حرية وحسب مقتضيات الحاجة فتم تسوية الامر مع السلطات الايرانية وانتقل الى صفوف المعارضة المقاتلة وشارك في عدة مناطق من الجبهة وخصوصا ذات السواتر المتشابكة وكان لايقتل الا ضابطا ذا بشرة حمراء وشارب اصفر. في الفاو وحدها قتل عشرين ضابطا بشارب اصفر وفي حاج عمران افرغ بعض الوحدات من ضباطها وذات ليلة جمعته مع احد المسؤولين على الساتر طلب منه ان يساعده على اكمال تعليمه وهكذا استمر بالدراسة والقتال وعرف بين اوساط المعارضة بالقناص الرهيب وبعد ما وضعت الحرب اوزارها لم يعد للعراق وبقي هناك بعدما تعلم الفارسية والاذرية والكردية وحصل على الماجستير في اللغة وبكلوريوس علوم دينية مع بلوغه رتبة عقيد لكنه حافظ على غليان الدم في عروقه كلما شاهد شوارب صفراء وبعد العودة الى بغداد رفض استلام اي منصب رسمي محتفظا ببندقية قنصه ورتبته ومسجلا ضمن ضباط وزارة الدفاع مشكلا مجموعة قنص لاتتعدى الـ 5 افراد ولم يشارك باي فعاليات قتالية من 2003 حتى فتوى تشكيل الحشد الشعبي فشوهد بكامل قيافة الميدان وبرتبة اللواء تزين كتفه ومصاحبة دائمة لبندقية القنص وذهب لوزارة الدفاع واضعا نفسه وخبرته في القنص من اجل تحرير الموصل ثم رابط في الموصل مع القطعات منتظرا الفرصة المواتية ليري الاخرين موهبته في القنص لكن الفرصة لم تحن في كل معارك الجانب الايمن وجزء من معارك الجانب الايسر وجاءت يوم تقدمت القطعات باتجاه المدينة القديمة وتحديدا في المنطقة الواقعة بين المنارة الحدباء (والسرجخانه) فتم اخباره فقام بتفحص المكان ولم يجد موقعا يصلح للمهمة بشكل مثالي لكنه قرر البقاء في المنطقة والبحث عن مكان يؤدي الغرض وفي الليل اطلقت العاب نارية من عدة اتجاهات ولم يهتم لوفرة الرصاص انما كان يبحث بعين ثاقبة عن مكان القناص وبعد عدة ساعات وجد المكان المناسب لكنه يحتاج الى عدة مناورات للوصول اليه وقد لاتنجح تلك المناورات وفي اخر ساعات الليل طلب من القطعة العسكرية القريبة منه ان ترمي باتجاه حدده لها شرط ان لايعبر رصاصها للجانب الثاني ولمدة ثلاثين دقيقة دون محاولة الإتصال به . دخل المكان بهدوء وتفحصه جيدا ثم رتب وضعه وتخلى عن ( قمصلته ) العسكرية وجلس يراقب من خلال الناظور الليلي وقبل ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود شاهد شخصا ذا لحية صفراء طويلة يقترب من باب البيت الذي يراقبه يحمل بعض الاواني فاطلق بكل هدوء رصاصة اردته قتيلا عند الباب
واستمر على هذا الحال ثلاثة ايام استطاع فيها عزل البيت وقتل كل من يقترب منه وفي اليوم الرابع قرر ان ينسى انه قناص وانه عسكري عليه الاقتحام فحطم الباب ودخل لايستر صدره غير ملابسه الداخلية فلم يجد في البيت غير صديق عمره ورفيق سلاحه وغريمه ويشابهه في مايلبس . وقف الرجلان ازاء بعضهما لثوان امتدت عمرا كاملا فقال سفيان : انا اعرف ان هذه اللحظة ستاتي مهما تأخرت وسنكون وجها لوجه وكان المفروض ان تحسم يوم سرقوا نجمتك ليزينوا بها كتفي كما اعرف اننا منذ احساسنا بوجودنا كنا مجرمين لكن طرق اجرامنا هي التي اختلفت فدفعت بك الى جهة غير الجهة التي اوصلتني الاقدار لها . فقال حسين انا لااريد قتلك ونسيت السرقة وقتلت عوضا عنك مئات الشوارب الصفراء لكن سأخذك اسيرا لكي تشرح في ساحة قضاء عادل كل الممارسات الخاطئة التي قمت بها خدمة لاسيادك واولياء نعمتك .
سفيان : عن اي عدالة تتحدث وقد قورنت عدالة الحاكم بعدالة الخليفة .. العدالة التي تتحدث عنها وهم اتاح لك بترتيب من غرباء القضاء على ابناء جلدتك لا لشيء الا لان لون شعر شواربهم يشبه شواربي انا عدوك المتمترس في اعماقك ويجعلك تشع حقدا
” قد تكون انت من وجهة نظرك ملاك ” قالها حسين بسخرية وقهقهة
رد سفيان : انا اخبرتك ان كلانا تلطخت يداه وضميره بدماء الكثير من الابرياء وسأكون من الشجاعة بمكان بحيث اصدر حكما عادلا بحق نفسي وانفذه على الفور .
لن اسمح لك انت مقبوض عليك .
قال سفيان ” بل لن اسمح لك بنشوة نصر بهت من سنين” ، ومد يده الى جبيه بلحظة خاطفة وضغط زرا هناك فأحال البيت الى بوابة من بوابات جهنم .