بين النوم واليقظة ثمة مساحة وسطى تبتعد إحدى الأطراف عني كلما حاولت عبثا أن أصل إلى أحداها.
ليلة أخرى هجرها القمر تؤرقني بهدوئها … لم اعد احلم منذ أن رحلت عنك وتناسيت وجودك البار في حياتي … لم اعد أتنفس بحرية كما كنت واستبدلت هواءك العذب برياح الغرب المشاكسة وأصبحت هكذا عار بلا حكاية … أتعذب بعد أن سقطت كل الأقنعة فوق درجات محرابك.
وحيدا امشي ونفسي كل يوم … مدينة جديدة تتخللني بضجيجها وغربة رمادية اللون تحتلني بأرصفتها , لقد حرمتني من كل أغنياتي وضاعت هكذا موهبتي وطارت بين معاني الأفق حروفي عندما غادرني غبارك .
فكل مكان هنا أصبح يذكرني بك ولا اعرف أين اختبئ … هاهي ذي مسامي أراها تنز من دمك أنظر! … حتى شبح اسمك أضحى يلاحقني كلعنة ألقتها علي حيزبون شرير واختفت مع أنين السفن .
إلى أين الهرب اليك ؟ مرهق وغريب أنا من دونك … كأن أمي تبرعت بي لدار الأيتام ذات ليلة , تركتني , وابتلعتها دهاليز الظلام غير مبالية بصرخاتي البريئة عندما أحسست بالبرد .
من بعدك روح تائهة أنا راحت تبحث عن جسد يحتويها … فأنا في رحلة نسيان جديدة … قررت أن ارحل وأنسى وعندما قررت أن أنسى كان أول ما نسيته هو قراري بالنسيان !
لن استطيع أبدا ان أتناسى …
فنجان القهوة الجديد يغريني و سيكارة شهيدة تنتظر إعدامها حرقا على عتبة الذكرى , أحس بطعم رمادها المر يلسعني !
بفضول رحت ابحث عن أخبارك في مخابئ الشبكات الأخطبوطية وأبواب الجيران الموصدة لا أخبار مفرحة بعد اليوم انتظرها عنك … كتاب حضارة قديم نضجت صفحاته وأصبحت مستعدة للحرق .
وجع من نوع آخر يدق كالطبل في أفكاري… وجع مخلص لي … لا يفارقني ولا يؤلم غيري فقد مللت من تصنع السعادة أمام الناس والقول بإني بخير عندما يقذفني احدهم بسؤال … ولكني لست بخير! … تحاصرني ابتساماتهم الصفراء فأهرب منها إليك والى أحضانك أود الارتماء والانتماء فلا أجدك …أين أنا ؟ وأين أنت ألان ؟
ابحث عن ظلك وسط زحام الكلمات وساعات الانتظار المملة … أبحث عن بقايا عطرك المتسلل إلى سهول سترتي … علني أجدك !
نيسان يطرق الباب … ها هو ذا عاد من جديد … لن يجدني افتح له لأني بكل بساطة نسيت روحي في جسدك وصرت مثل عصفور ربيعي ميت لن ينشد في احتفال ولادة الطبيعة ولن يفتقد ألحانه احد !
فوق الشرفة حيثما أقف … سرير النوم أصبح كعابر سبيل لا تربطني به أية علاقة !
كيف السبيل لي لأصل إليك ؟ شوقي لك يقتلني وان استمر هذا سأصرخ لوحدي من الألم
فلتسقط كل فلسفات العالم ونظرياته أمامك … فأنت من صنعها أساسا
كلا … لن اسمع !
كفى … أنا مرهق بك حقا , كفى أرجوك … لم اعد احتمل , ها أنا أعود وأهذي من جديد
إليك أيها النوم اهدي أحلامي , إليك أيتها الحمى اهدي رعشاتي
ياترى …
الم تفهمي بعد يا بغداد ؟