كتبت مقال بعنوان (لماذا كان امر القبض على عبعوب وسيم جداً وامر القبض ضدي متعسف وتنفيذي وفوري) في 20/تشرين الأول/ 2015 وتطرقت فيه الى عدم قانونية اعلان لجنة النزاهة البرلمانية أسماء لمتهمين بالفساد في الاعلام(بشكل عابر) ومنها في برنامج ستوديو التاسعة، لأنه تشهير وبعدها اسرعت هيئة النزاهة بإصدار بيان في 24/10/2015، قالت فيه: (إن هيئة النزاهة تؤكد عدم مسؤوليتها عن القوائم التي نشرها احد اعضاء لجنة النزاهة البرلمانية في بعض وسائل الاعلام مؤخراً والمتضمنة اسماء بعض المتهمين، موضحة أن هذه القوائم قديمة .. واتهمت الهيئة ..جهات لم تسمها بمحاولة تضليل الراي العام ..، محملة اياها المسؤولية القانونية المترتبة على التشهير ببعض الأبرياء.. ويعد اساءة وتعدي على الشخصيات المذكورة ولعوائلهم).
ولإصرار أعضاء لجنة النزاهة البرلمانية على هذه الممارسة ومن خلال برنامج استوديو التاسعة، الذي ركز على أسماء المتهمين بطريقة تحرفه من المسار الإعلامي الموضوعي وقد تجعله برنامج للتسقيط السياسي لا سامح الله أكثر مما هو برنامج يقود حملة لمحاربة الفساد وقد يصبح جزء اساسي من صراعات الكتل؛ وأسماء المتهمين ليس بالضروري اشغال المواطن بها، لأنها ليست ركن اساسي بمحاربة الفاسدين وانما امر شكلي ليس له دور بالتحقيقات اكثر مما يثير فضول المشاهد، والقنوات الفضائية وضيوفها الكرام ملزمين ان يراعوا عدم تجاوز ما يتم نشره على قوانين الدولة التي تصل إليها المعلومات المنشورة.
وهناك عدة استدراكات لإعلان أسماء المتهمين من لجنة النزاهة البرلمانية (اخوة اعزاء) ندونها بالآتي:
الاستدراكة الأولى: عدم التثبت من التهم:
ان القانون لا يعطي الحق لأي شخص مهما علا منصبه عدى السلطة القضائية(بقيود) الحق في نشر أسماء متهمين لم تحسم قضاياهم، ولم يرد في واجبات لجنة النزاهة البرلمانية بموجب المادة 92 من النظام الداخلي لمجلس النواب، اعلان أسماء متهمين، وانما متابعة قضايا الفساد الإداري والمالي في مختلف أجهزة الدولة والمتابعة غير التحقيق وغير الاعلان عن أسماء لمتهمين، والمتابعة لا تسمح بتجاوز القوانين المرعية في هذا المجال، والمتابعة بمعناها الاصطلاحي تعني إعلان بعض القضايا التي تنتهي من بحثها وإحالتها إلى جهات التحقيق المتخصصة، إضافة إلى إمكانية الإعلان عن البلاغات التي تتلقاها بعد الوقوف عليها والتثبت من التهم الموجهة للمتهمين بعد إحالتهم إلى جهات الاختصاص دون إعلان أسماء.
الاستدراكة الثانية: اسقاط للحصانة البرلمانية:
ان اعلان أسماء المتهمين بالفساد من لجنة النزاهة البرلمانية تسقط عنهم الحصانة البرلمانية الواردة بالمادة 63 من الدستور النافذ كونهم أصبحوا بالجرم المشهود وتطالهم المواد (236 و235، 437 ) من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته.
الاستدراكة الثالثة: التشهير عقوبة:
ان التشهير من قبل لجنة النزاهة البرلمانية بأسماء متهمين يعد عقوبة، والعقوبة لا تكون إلا بعد صدور حكم قضائي أو بموجب نص نظامي.
الاستدراكة الرابعة: الإساءة لحق تمثيلهم للشعب:
ان اعلان أعضاء لجنة النزاهة البرلمانية لأسماء متهمين(بعيدا عن اصحاب الحصة الثقيلة من الفاسدين) لا تزال قيد الاتهام والقاعدة القانونية تقول ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته’، عمل يناقض حرمة تمثيلهم للشعب الذي انتخبهم .
الاستدراكة الخامسة: نشر أسماء المتهمين غير موضوعي:
ان تسابق أعضاء هيئة النزاهة في قراءة قائمة أسماء متهمين بالفساد تحتشد بالحشو (قديمة وبعضها مغلق) وفق الذي شاهدنه قراءة سياسية، وكأن أسماء المتهمين اصبحت خميرة دسمة لدسائس وأكاذيب يعجنها أحدهم بماء الكذب والبهتان، ويخبزها بأفران القنوات والمنتديات على الملأ، ثم يوزعها زاعماً أن صنيعه هذا من باب محاربة الفساد واسداء النصيحة والغيرة العامة على الأخلاق والدين!
الاستدراكة السادسة: تسييس للدعاوى:
ان لجنة النزاهة البرلمانية خصوصا رئيسها تحاكي باستحياء وتتنحى جانبا عن ذكر جهابذة الفساد وشراء الذمم المعروفين لدى العام والخاص، وهناك براعة في التكتم على فسادهم، والفصل في الإدانة والبراءة للمتهمين هو اختصاص حصري للقضاء، فيجب التحفظ على اعلان أسماء المتهمين او تفاصيل الاتهام، قبل صدور أحكام اكتسبت الدرجة القطعية، وعلى اللجنة البرلمانية للنزاهة أيضا ان تتحفظ طالما كانت الدعوى قيد التحقيق او المحاكمة، لان خلاف ذلك يؤثر على سير العدالة ويخل بحقوق المتهم، وتسيء إلى سمعته أو اسمه أو تحط من مقامه في نظر المجتمع ككل، وبالنتيجة قد تسيس الدعاوى.
ونذكر بان:
الأصل أن التحقيقات الابتدائية تتم في سرية تامة عن الجمهور وهذا ما أكدته المادة (57) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ورتبت جزاء على مخالفة ذلك وهو العقاب الوارد بنص المادة (235) من قانون العقوبات العراقي، ويجوز أن تكون تلك التحقيقات سرية أيضا بالنسبة للمتهم وللمدعي المدني ولوكلائهم أذا رأت محكمة التحقيق لزوم ذلك لإظهار الحقيقة، وقد شرعت تلك السرية للمصلحة العامة ولمصلحة المتهم نفسه، ولكن تثور المشكلة عندما تخترق بعض النواب والشخصيات والصحف هذا المبدأ القانوني وتسارع إلى نشر أخبار التحقيق وقراراته وتفاصيل الجريمة التي ارتكبت، الآمر الذي قد ينعكس أثره على بعض الأفراد إلى الحد الذي وصفه البعض بان النشر قد يؤدي إلا انتشار الجرائم وقد يسيء إلى بعض الأشخاص والجهات وقد يعطل بعض الإجراءات التي تتخذ بصدد الجرائم والمجرمين، وفي بعض الأحيان تسيء القنوات الفضائية والصحف إلى أشخاص أبرياء متهمين خطأ أو كيدا فتجرح مراكزهم في المجتمع؛ ومن هنا وضع المشرع نظاما قانونيا معينا خاصا بحظر نشر إخبار التحقيق الجنائي وهو ما ضمنه نص المادة( 235،236)من قانون العقوبات والتي قررت عقوبة لمن يخالف أمر حضر النشر في الحالات التي حددها المشرع وذلك في حدود معينة، وموضوع نشر الجرائم في الاعلام المرئي والمسموع والصحف موضوع في غاية الأهمية والخطورة وهو قد يكون مطلوبا في أحوال معينة يستلزم ألأمر فيها النشر ويقرره القضاء، وقد يكون للنشر خطورة على المتهم، وليس من الصالح العام نشر تفصيلات حوادث ضبط المتهمين في قضايا الفساد والإرهاب والقتل والمخدرات والخطف والتفجير وإيضاح الطرق والوسائل التي تستعمل في ضبط المتهمين.
وعلى هيئة النزاهة ومعها القضاء العراقي تخصيص دوائر قضائية للنظر وسرعة البت في قضايا الفساد، خصوصا ان تأخر إجراءات التحقيق والمحاكمة وضع الهيئة أمام انتقادات الرأي العام، وضغوط وسائل الإعلام التي تطالب بالتشهير بالفاسدين بعد التثبت من جرائمهم، والتأخّر من قبل الجهات القضائية والتحقيقية مخالفة لاستراتيجيتها الهادفة إلى الإسراع بالبت في القضايا.
ان كانت هناك ضرورة لإعلان أسماء متهمين فيجب ان يتم بعد ان يقول القضاء كلمته بكل نزاهة ومهنية وتجرد واحتكام صارم للقانون ولا شيء غير القانون.