9 أبريل، 2024 2:04 ص
Search
Close this search box.

لجان التحقيق … من التخدير الى النوم العميق

Facebook
Twitter
LinkedIn

المهازلُ التي أفرزتها العملية السياسية الجديدة في العراق بعد عام 2003 كثيرة جدا ولا حصرَ لها . والحديث عنها ذو شجون وتفرعات وتشعبات يوجعُ الرأسَ ويحبط الآمال . فقد تعوّدَ العراقيّيون منذ السنة الأولى لمرحلة ما بعد التغيير سماع تشكليل لجان تحقيقية بأعلى المستويات حول الأحداث التي عصفت وما تزالُ تعصفُ بالبلد . ولكن الذي يحصلُ دائماً أن تلك اللجان سرعان ما يضمحلُ وجودُها وتتبعثرُ أوصالُها هنا وهناك دون معرفة نتائج التحقيق بتفاصيلها التي هي أساس عمل أية لجنة تحقيقية في قضية ما . ولحد الآن لم يطلع الشعبُ العراقي على نتيجة تحقيقية واحدة تعززُ الثقة بين المواطن والمسؤول . ورغمَ حماس كبار المسؤولين وتوعدهم ووعودهم بكشف المستور ثأراً لكرامة الوطن وانصافا للمظلومين من الشعب ، الاّ أن حماسهم لمْ يدمْ طويلاً ، وكل تلك الوعودِ تتبخرُ حتى تصبحَ في خبر كان . ومن هنا يقودنا الاستنتاج الى أن ما حصلَ وما يحصلُ ليس من باب الصدفة أو الاهمال أو ما شابه ، وانمّا نتيجة عمليات تخدير مقصودة من قبل المتحكمين بزمام الأمور لكسب غايتين في آن واحد ، الغاية الأولى تخدير الرأي العام وامتصاص غضب الشارع ودفع المواطنين الى النسيان تدريجيا . والغاية الأخرى تخدير لجان التحقيق ( المشكلة صُورّياً ) لتنامَ بعدئذٍ بمعلوماتها وتفاصيل تحقيقاتها في نوم عميق عملاً بالمثل العراقي الشهير ( الباب التجيك منه ريح سده واستريح ) . ويبدو أن هذا الاسلوب أكثر ملائمة لمن يخشون مواجهة الحقائق التي ربّما لو ظهرتْ لانفتحتْ عليهم أبوابَ جهنم . ويبدو أيضا أن أي تحقيق لو تم كشف النقاب عن تفاصيله وحيثياته للجمهور سيضعُ الكثير من الأسماء اللامعة المرموقة في قفص الاتهام ، وربّما سيزلزلُ العملية السياسية بمحاصصتها ومغازلاتها ومجاملاتها ، وبالتالي سيتدحرجُ نحوَ الهاوية من يعرفُ فن التدحرج ، وسيهربُ خارج البلد من يجيدُ لعبة الهروب ، وسيلطمُ على رأسه من يتقن أصول اللطم . ولماذا كلّ ذلك طالما أن الأمر لا يحتاجُ الى التعقيد ؟ فاللذين تطبعوا على الكذب والخداع وتزوير الحقائق ولهم القدرة على مصارعة الأحداث المرعبة بسكاكين المكر ، ليس عليهم جناحٌ ان حقنوا لجان التحقيق بحقن مخدرة ( أمريكية الصنع ذات كفاءة عالية ) لتقضي على أيّة صحوة ٍ محتمله لتلك اللجان . والذي يتصورُ أن ما تقدم مجرّد دعابة أدبية لا تمت الى الواقع الملموس بشيء ، عليه أن يجيب بحيادية تامة على هذه الأسئلة التي لا يمكن أن تسكتهُا الأيام والشهور والسنين حتى وان طالتْ : أين نتائج التحقيق في أبشع مجزرة شهدها التاريخ الحديث ( وأقصد مجزرة سبايكر ) ؟ وماذ عن تفجيرات الكرادة المأساوية الموجعة ؟ ومن هم المتسببون بسقوط محافظة نينوى ، وكيف دخلتها ( داعش ) وهي محصنة بالفرق العسكرية ؟ وما هو رأي لجان التحقيق بالانتهاكات الأمريكية المستمرة على قطاعاتنا العسكرية بذريعة الخطأ ؟ والى أين وصلت اللجان بتحقيقاتها حول جرائم أقرباء كبار المسؤولين المتمثلة بسفك دماء الأبرياء وسرقة الأموال العامة والخاصة والاستحواذ على ممتلكات الدولة وحتى تجارة المخدرات ؟ ومتى ستكشف اللجان التحقيقية عن عشرات بل مئات الحوادث التي أكل الدهرُ عليها وشرب ؟ وحينها سيجدُ السائل الكريم انعدامَ الأجوبة دليلا واضحا على كون لجان التحقيق في نوم عميق وعميق جدا .

أنيس الأنصاري

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب