23 ديسمبر، 2024 10:12 م

 كلما كتبت ُ عن الجواهري .. تشمخ في عيني سنينه التي تناهز المئة .. وكلما تذكرته أشعر بأعوامه الطويلة التي يؤرشف بها ذكريات وطن من الاحتراقات .. وليس اعتباطا أن يعيش شخص ٌ ما كما هائلا من السنوات فكيف إذا كان شخصية ً استثنائية كالجواهري ..
وكأن كل ما يرتبط به وأعني الجواهري .. يشير ُ إلى هاجس ٍ من نور .. حتى مهرجانه ُ الذي ينعقد كل عام بإصرار كأكبر المهرجانات الأليفة التي تزداد احتجاجا وضوءا دائما ..
تسع دورات .. من مهرجان الجواهري .. ليس قليلا إذا علمنا بأن هذا المهرجان قليلا ما عقد بدعم مضمون .. فمنذ ابتدائه وهو يدعم بالجهد أكثر من دعمه بالمال الوفير .. ويحدثني صديقي أحد أعضاء اللجنة المنظمة لمهرجان عراقي مدعوم عقد قبل سنتين قائلا .. : كنا خمسة ً وثلاثين شخصا في اللجنة المنظمة .. وكانت ميزانية المهرجان مئتين وثلاثين مليون دينار عراقي ..
عندها أحسست ُ أنا بالفرق .. وأنا عضو في اللجنة المنظمة للجواهري للسنة الثالثة .. حين نكون دائما خمسة أعضاء في اللجنة المنظمة في أكثر الأحوال .. ولا تتجاوز ميزانيتنا الأربعين مليون دينار عراقي جلــُّـها نستدينها لكي يكون المهرجان موجودا .. ولكي يظل اسم مؤسس الاتحاد شامخا ..
والسؤال الأهم بم َ يمتاز مهرجان الجواهري ..؟ أظن بأن مهرجان الجواهري هو مهرجان مدني ٌ من الدرجة الأولى .. فهو خالص من أي إملاء حكومي .. وبه يتنفس المثقفون كما يشاؤون .. إذا لا مسؤول يمرر أجندة ً معينة .. ولا سياسي  يحاول ُ أن يكون َ ناصحا في رأس أديب بدعوى الكتابة عن الأمل وترك مساحات الظلام .. والبلد يسير ُ لظلام ٍ دامس ..
لكن ما يزعج ُ حقا في بعض مفاصل انعقاد المهرجانات هو روح المتاجرة التي تظهر من قبل بعضهم .. فمنهم من يحاول ُ أن يبتز َّ كلمة ً في الافتتاح .. ومنهم من يحاول أن يكون راعيا ولو على الورق .. ومنهم من يحاول ُ أن يكسر عجلة التقدم ولو بتجاهل .. فهل من المعتاد .. أن يشار ُ إلى دعم ٍ مفترض من قبل وزارة الثقافة العراقية للمهرجان بينما مازال مبلغ ُ الدعم للدورة السابقة للمهرجان في جيوب الوزارة ..؟! لبيروقراطية عالية لدى المؤسسة الحكومية لا تطبق إلا في وجه الملفات النزيهة والبسيطة ..
لا شك أن مهرجان الجواهري يقض ُّ مضاجع السياسة الثقافية الحكومية .. حيث مجموعة من المثقفين غير المدعومين يقودون مهرجانا بمبالغ بسيطة تجعل الطرف الآخر ( الحكومي ) في موضع لا يحسد عليه .. حيث يدير هو ملتقيات لا تصل إلى ربع كثافة الجواهري بأضعاف هذه المبالغ .. لا شك إنه تهديد لسياق من التبذير والفساد الدائم .. وهذا ما يبرر للجميع سبب وقوف مجموعة من الآراء ضد مهرجان الجواهري لأنهم لم يعتادوا أن يروا شفافية مالية لا تؤمن بكواليس مظلمة ..
وهناك حديث ٌ أردده ُ دائما بيني وبين من أحب من الأدباء .. يتضمن اعترافات ٍ منا ونحن نحاول أن نقدم الأجمل دائما .. هو أن نكون صفا لأننا كمثقفين وضعتنا عصا السياسة صفا واحدا رغم اختلافاتنا بتجاهلها لكل ما يمثل أحلامنا .. لذا نحاول أن نمرر بعض أخطائنا لأنفسنا .. فبغداد غير مؤهلة ببنيتها الثقافية لاستقبال أي مهرجان إلا بإرادة من يحب .. فمسرح ٌ وطني واحد يعاملك بتعال ٍ وسقف ٍ من الحجوزات والأموال رغم قلة ما يقدمه من خدمة فنية .. فما يهمه الآن هو أن يقدم مسرحية تجارية تدر ُّ عليه الأموال فقط مما يجعلنا أن نفكر طويلا باستحقاقه لا سمه مسرحا وطنيا أم لا .. في وطن مثقف كالعراق .. وقاعات مخربة تحتاج ُ إلى جهد وميزانية لإعمارها .. وفنادق غالية وأخرى بائسة مصممة لتحقق الفرق بين السياسي والمواطن .. وشوارع لا تستوعب حشدا كحشد الأدباء .. كل هذا يقف دون تحقيق جمال أوسع ..  وأتمنى أن تحاول بعض المؤسسات الحكومية أن تنذر ولو جزءا من قاعاتها المميزة مجانا للمهرجانات المدنية دون اشتراط وهنا أسجل شكري لمحافظة بغداد وهي تضع قاعات ومسرح شارع المتنبي في خدمة من يحب تقديم الجمال .. أهمس ُ في أذن بعض المثقفين ممن يمتلكون عملا إعلاميا .. بأن لهم الدور الأمثل ليظل مهرجان الجواهري .. المهرجان المدني الأليف من خلال دعمهم المميز بالكلمة ونذر الصورة وأشكرهم على دورهم السابق واللاحق .. وأقول لقليل منهم .. لا يستدعي الأمر أن تبتدئوا المهرجان وقبل إعلان افتتاحه وقبل أي كلمة يقدمها بسؤال يكون استطلاعا لكم وهو ( ما أسباب فشل مهرجان الجواهري ؟ ) وكأنكم تعرفون الغيب وكأن الفشل طريق سهل تطلقون رصاصه في وجه أي احد .. مع أملي بأن يظل الجواهري وجودا ومهرجانا جمالا لا يتوقف .
[email protected]