22 نوفمبر، 2024 6:46 م
Search
Close this search box.

لبننة الدوَل

لبنان هو النسخة الأصلية لنوع نظام الحكم في العراق ، إعتمدَ على وجود المكوّنات الثلاثة فيه لصنع حكومات محاصصة تعتمد على نسب وحجم المكوِّن لغرض تحديد حصة الفائدة وليس حصة الإدارة و قيادة الدولة . هذا النوع من الأنظمة والذي يندرج نظرياً بمفهوم الديمقراطية هو بالأساس صانع مشاكل مستمرة ، وخالق أزمات طيلة كل دورة حكومية بسبب الحساسية المزمنة من محاسبة مكوِّن لخطأ مكوِّنٍ آخر . التغيير فيه شبه مستحيل، لأن واحدة من مخرجات هذا النظام هو تصنيف المجتمع وفق مكوّناته ، ولا يمكن أن يحصل أي تغيير ما لم تتوحد أطياف المجتمع، وهذا الأمر في الواقع صار شعاراً وطنيا نظري أكثر مما هو عملي , تتواجد فيه العواطف اكثر من الوقائع . كذلك يستحيل أن يقوم أيّ مكوّن بالتغيير لوحده .

كل نظام سياسي لا يتكامل إلا بالتقاء عوامل نجاحه، وأول تلك العوامل هو المجتمع ، و في هذا النظام ، أُصيب المجتمع بشلل تام ، لأن كل مشكلة سياسية أو اقتصادية سيكون هو المتضرر منها هو ، في حين تبقى المكونات السياسية محافظة على مكتسباتها التي ضمنها نوع الحكم . الكثير من البلدان تحتوي على خليط مجتمعي وثقافات مختلفة ، وكفل القانون تنظيم شؤون ذلك التنوع بإعطاء حرية مُعيّنة تزاول فيها كل الأفكار فعالياتها المعتادة . أمّا الحُكم وفق المحاصصة فقد استفرد بالحرية لصالحه كي يستمر بوجوده و يعزّز نفوذه على أساس التكوين المجتمعي لا على أساس الاستناد القانوني له.

لبننة الدول هو استيراد نظام لا يتعامل مع طبيعة المجتمع , بل مع الأفكار التي يمكن استخدامها ضد المجتمعات ذات الثقافات المتعددة بمعتقداتها , وهو الفرصة الجيدة لاستنزاف الموارد المتاحة في الدولة من ثروات و طاقات بشرية و العمل على ضياع الفرص التي من شأنها مواكبة دول العالم . كما أنّه أحد العوامل المهمة في استملاك السلطة ومقدرات الدولة للمكونات الكبيرة وتغييب وإهمال الأيدولوجيات الصغيرة وإدخالها مسرح السياسة وفق المجاملة الديمقراطية لا اكثر .

التغيير الواقعي في هذا النظام لن يكون شعبياً أو عبر أحد أركان تشكيلته ، بل عبر التنازل السياسي للتشكيل بكامله ، يتم أولاً باستبدال قوانين المحاصصة الخالدة بقوانين تبادُل الأدوار عبر آلية انصهار الجميع في القانون . وهذا الأمر لن يكون سهلاً دون وجود التوجّه الجاد نحو خدمة البلد والمجتمع، وإلّا، ستستمر أزمات إضعاف البلد و المجتمع حتى اللحظة الحاسمة التي تأتي بتغيير شامل من الخارج ، مستعيناً بأمرين ؛ضعف المجتمع التوّاق لإزاحة النظام بأي ثمن كان، و بضعف البلد المُعرّض في أي لحظة لعاصفة التغيير.

أحدث المقالات