تعتبر الفيثاغورسية نقلة جديدة في مجال التجديد الفلسفي والذي نحى هذا التجديد على بعث شكل من أشكال الفهم الأخلاقي والديني والاجتماعي
وكذلك العلمي الذي اعتبروه وسيلة فعالة لتهذيب النفس وتطهيرها،
فاهتم أتباع فيثاغورس بالرياضيات والطب والموسيقى والفلك، وكان التعليم يجري على درجة من السرية، وهذه السرية ملزمة حد الموت وتنص تعاليمهم بهذا الخصوص على أن عقوبة الموت ستحل بالذي يفشي سرا علميا خارج الحلقات الدراسية، ولكي تكون هذه السرية أكثر أمنا فالفيثاغورسيون لم يتعلموا عن طريق المقروء بل كان تعليمهم تعليما شفاهيا أو
سماعيا، وهذا يدل على مدى الحرص الذي كان يوليه هولاء لأسرارهم تلك التي كانوا يقدسونها.
ولاشك أن نظامهم الإجتماعي يتصف بالزهدية سواء ذلك الذي يتعلق بالمأكل والمشرب أو بطبيعة العلاقات الشخصية ما بين الأفراد ومن صفاتهم أنهم كانوا يرتدون زيا واحدا ويمشون حفاة الأقدام ويقتصدون في الضحك والكلام، ولاشك أن الآثار التي تركتها الحروب الفارسية وكذلك مجمل الأوضاع الاقتصادية آنذاك وكذلك إنتهاء عصر المدرسة الملطية بعد وفاة رائدها أنكسيماس قد أدى ذلك إلى حراك فلسفي حين نزح العديد إلى أوطان جديدة بحثا عن الأمان الذي سيوفر لهم فرصا أكبر للتعبير عن معتقداتهم.
كان أتباع المدرسة الفيثاغورسية يقيميون نظامهم الخاص بهم على مجموعة من المبادئ التي تبدو أخلاقية صرفة وبعضها الآخر له صلة بمعتقدهم حول تناسخ الأرواح، ولعل مبدأ محاسبة النفس من المبادئ الرئيسة التي يتشكل عليها طالب هذه المدرسة، فالمرء مسئول عن محاسبة نفسه كل يوم عن أوجه الخير التي قام بها وأوجه الخير التي غفلها وكذلك السيئات التي ارتكبها وبمفهومهم هذا أن أمام الإنسان فرصا
عديدة لتجاوز الأخطاء ومعاودة عمل الخير، وأن يكون نزيها وصادقا أمام أخطائه.
وهم لا يحبذون القسم للتدليل على صدقهم أثناء الحديث، ولا شك أن إيمانهم بعقيدة التناسخ جعلهم يحرمون أكل لحم الحيوانات ويحرمون تعريضها للأذى كونهم عن ذلك يعتقدون أن روح إنسان ما في هذا الحيوان أو ذلك حتى أن بعض الأصوات التي تصدر عن تلك الحيوانات يفسرونها بأنها تعود لأشخاص من البشر تناسخت أرواحهم في أرواح تلك الحيوانات أو في نفوسها وهم لايفرقون بين النفس والروح.
إن فكرة الفيثاغورسيون عن النفس أنها وجدت قبل الجسد وأنها خالدة وأزلية وأن الجسد مجرد غطاء مؤقت تالف وعلاقة النفس بالجسد علاقة عكسية غير توافقية على مستوى العطاء ومستوى الخلود.
إذن فهم يرون بأن الجسد فانٍ وأن الروح باقية فكيف يمكن للنفس أن تتسامى إلى عالم الخلود بدل من حلولها في أجساد أخرى؟
نادى فيثاغورس سابقا بالزهد لتطهير النفس وكانت شعائر كما سبق عرضه تقوم على هذا المبدأ في المأكل والمشرب والملبس والحديث لكن فيثاغورس ـ
ولكي يكون هذا الزهد شموليا ـ دعمه بالعلم الرياضي والموسيقى من أجل الوصول الى التطهير النافع، وضمن ذلك أدخلت الموسيقى كوسيلة من وسائل العلاج المصاحبة للطقوس والشعائر الدينية، وعدت كما الهندسة والحساب علما من العلوم النظرية التي تتطلب الدرس والبحث والتأمل.
إن شيوع القصص والأساطير وما ذكره هيرودتس عن مزج تعاليم فيثاغورس بتعاليم المصريين والاورفيين لا يلغي قدرا من أخباره ومعجزاته التي ينظر له من خلالها كونه أحد أبطال عالم الخيال أو أنه ذلك اللغز المحير الذي من الصعوبة على المرء معرفة ما توحي به قسماته.