22 يناير، 2025 10:54 ص

لا يَقطع يد الفساد إلا مَن به ديدن القانون

لا يَقطع يد الفساد إلا مَن به ديدن القانون

الفساد بكل خفافيشه الدميمة والمتمرّسة , واياديه الطويلة الظاهرة والخفيّة , هو صناعة تغلغلت في جسد المجتمع العراقي منذ زمن بعيد , ولاريب تخندقت خلفه أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية , فمن العقلاء من قال ان الفساد بالعراق سببه الثورات المضادة وعملية استنساخ الحكومات الفاسدة منذ العهد الأموي الذي تنكّر رجاله  للمباديء الإسلامية بإتباعها فكرة ;

” لا بقاء ولاوجود لأي حكومة من دون وجود مستنقع المجتمعات الفاسدة ” , وقيل بالوقت الحاضر عن اعمالالبنك الدولي الذي تهيمن عليه السياسة الأمريكية انه جعل من عامل نشر الفساد شرطآ على بعض الدول المديونة له لضمان استرداد ديونه , كما يضمن لتلك الدول ضمانة التخلص منها ,

وأحد هذه الشروط  هي فتح الملاهي ومحلات الخمورواطلاق الحريات لتدر عليه بالمال الحرام والإنفتاح على الشركات الأجنبية لغرض الإستثمار فيها , بينما نرى من ناحية اخرى تركيزه على مكافحة الفساد في الدول التي يدفع بها على المحك في طلب التمويل المالي , بينما الحقيقة هي   لتدوير عجلة استغلاله  للفساد بحدين , وابعاد  فكرة التعامل معهم برؤى سياسية امريكية عن نفسه ,  

فإشاعة المخدرات والخمور بين المجتمعات وعمليات التهريب والتجارة بالبشر , كانت من مستلزمات الحصول على مداخيل مالية ضخمة من اجل التخلص من الديون والبقاء بالسلطة , ولاننسى ان الحكومات احيانآ تلجأ الى إفساد المجتمعات من دون اي دواعي اقتصادية او اجتماعية , بل لدواعي سياسية خارجية تهدف الى اسقاط المجتمع الى ادنى درجة من الحضيض ثأرآ لوقائع غابرة وحان الإنتقام منها بعد سقوط اهم رموزها بالثورات المصطنعة ,

لكي تتوارثها الأجيال الى امد بعيد ومجهول , وبذلك لا يحمّل المواطن حكومته مسؤولية ما يحصل لمجتمعه من نكبات طالما يرى ان فسادها هو من بعض فساده شخصيآ , وبهذه الشائنة يتسرب اليأس من الإصلاح ويبلغ الفساد في ادق تفاصيل وجوانب الدوائر والمؤسسات الحكومية , ليبقى الرجاء وحده للمجتمع الذي يمكن ان يحارب  به فساده , وهو بحُسن التوكل على الله  والعمل بنفسه بلا خوفوبوسائل عملية صالحة ,

وبهذا المعنى , ينبغي  البدء  بالبحث عن الإنسان الذي يمتاز بملامح الشخصية القانونية , اي يمتلك شهادة الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه بالقانون لتعيينه بأي عملية سياسية في مفاصل الدولة , فمثلآ في العراق ينبغي تعيين اعضاء مجالس المحافظات ممن يحمل احد تلك الشهاداتوالدوائر الكبيرة ,

إذ بهذه الفكرة ترتسم خطوط لقوى إنسانية تنبثق من الشعب ديدنها اليومي هو التفكير بالقانون  لتقوم بنصرة الحق الحكومي والشعبي , وتلغي تعاطف أو استرخاء اي مسؤول او عضو في المجلس المحلي او اي دائرة خاضعة له امام الإجراءات الخاطئة التي تمارسها أي من الشركات المشاركة بإعمار البلاد ,

او عندما لاتكون هذه الشركة او تلك الدائرة بخط مستقيم  مع القانون او الشروط الخاصة بالنوعية المطلوبة في  انجازوإدارة المشاريع المناطة بها , مهما كانت الظروف التي تمر بها البلاد سواء كانت بيئية او سياسية او اقتصادية ,  فالرؤية السياسية التي حددت نوع المشروع الواجب تنفيذه ,

يجب ان لاتتغير بظروف اخرى تبتكرها الشركة ذات المصلحة او الجهة المستفيدة من اجل استقطاع هامش ربحي لها من المال العام , ولكي لا يبقى المشروع بأكمله رهين فساد الجهة المستفيدة وفساد الشركة المنفذة حتى النهاية .

وبذلك فإن اي مسؤول حكومي يضطلع بقيادة اصغر دائرة حكومية تحاول بعملها تغيير الواقع الإجتماعي نحو الأفضل , ويخلو من ديدنه القانوني اليومي الذي يذكّر به العاملين في الدائرة عن سبب تعيينهم , ولا يعطي لنفسه القيمة الحقيقية التي يحيا بها لتحقيق مجد البلاد ومجده الخاص في صنع صورة توثقها دائرته من بعده ليتشرف بها العاملين جيلآ بعد جيل ,

فهذا يعني البقاء على بيض الفساد يفقس في نواحي الحياة وتفاصيلها لتكون اكثر بشاعة , وبسلسلة منهجية  يكون فيها المجتمع بائسآ ومعدمآ لايؤدي دوره في  تجديد حضارة البلاد ليباهي بها الأمم , وبهذه المنهجية تنجح الدول المناوئة التي تقف وراءه سياسيآ في هذا التعطيل لحركة  الحياة الإنسانية وخلق الأزمات اليومية لتصل به الى الوهن الذي استشرفته يقطّع لها اوصاله بدلآ من ان يقطع  يد الفساد بأيديه  .

ختامآ , لا احد ينفي ان الفاسد , احيانآ , بحكم قدرته المالية بين انصاره الفاسدين وإن كانوا مسؤولين حكوميين  يحبذون استخدامه  بطريقة خاصة بعيدآ عن التسليم بكونه فاسد , ومتحدين بها يقظة القانون والمجتمع عن هذا الفعل الذي يقترن بحالة المرض العصابي لديهم , الذي يعتبره الإقتصاديون والمستثمرون من منتجات السياسة الرديئة ,

كما هي الحال في صناعة الأدب الرديء عندما يصل العمل الأدبي  بهذا المرض الى الإقحام التعسفي أمام انظار واسماع النقاد ليقولوا عنه انه من النتاج الرديء , أما المنتج من اي حقل من حقول الإبداع الإنساني المقترن بقوانين وضوابط الإبداع لاشك يعيش وينطلق الى مدى بعيد  ويلقى الإحترام بنزوعه الإنساني  بين الأمم .