23 ديسمبر، 2024 2:01 ص

لا يمكن انقاذ العراق مع بقاء الفاسدين

لا يمكن انقاذ العراق مع بقاء الفاسدين

الجميع يتحدثون عن انقاذ العراق والوصول بهِ الى برّ الأمان ، وقد أصبحَ هذا الموضوع الشغل الشاغل للرأي العام ، ولكن المنطق يقول أن عملية الانقاذ لا يمكن أن تتم بشكل صحيح دون القضاء الشامل المبرم على الفاسدين في مختلف المستويات من أدناها الى أعلاها . لأن الفاسدين يقفون حجر عثرة أمام أيّة خطوة جادة من أجل تطوير البلد اقتصاديا وعمرانيا واجتماعيا وسياسيا . وللأسف الشديد لم تستطع الحكومات السابقة وحتى الحالية من التصرف بمنتهى الشجاعة والجرأة لإيقاف عمليات السلب والنهب والتلاعب بالمال العام ، ولم تستطع أيضا تقديم الأسماء المتورطة بالفساد للرأي العام وللقضاء . ولوْ دققنا في جميع المشاكل المعقدة التي يعاني منها العراق والعراقيون لوجدنا أن أسبابها الحقيقية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمافيات الفساد ( العظمى والصغرى ) . وللأسف الشديد أيضا أن أغلب المتورطين بالفساد ينتمون الى كتل سياسية معروفة بعضها تتحدث باسم الدين والعدالة السماوية . وهم بهذا الانتماء يحمون أنفسهم من المواجهة والمسائلة القانونية ، والأمثلة على هذا الأمر كثيرة ولا أحتاج لذكرها لأن العراقيين يعرفونها جيدا ، حتى وصل الأمر ببعض الفاسدين من التحكم بمسارات الشوارع والجسور القريبة من منازلهم بغض النظر عن المصلحة العامة . ان القضاء على الفاسدين يتطلبُ ثلاثة أمور أساسية ، الأمر الأول امتلاك الشجاعة والجرأة الكافيتين لمواجهة حيتان الفساد العملاقة قبل الصغيرة . والأمر الثاني عدم مجاملة الأشخاص والرموز الذين ينتمون اليهم أولئك الفاسدون . والأمر الثالث عرض الفاسدين على الرأي العام بشكل علني ليكونوا عبرة للآخرين . لقد وصل الفساد في هذا البلد الجريح الى مراحل خطيرة جدا لا يمكن السكوت عنه ، وقد امتدت أذرعه القذرة الى جميع مفاصل الدولة بلا استثناء ، وصار يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل العراق على المدى القريب وليس البعيد فحسب . ولوْ تحدثت عن تفاصيله الكثيرة بإسهاب لاحتجتُ الى عشرات الأوراق لتستوعبَ تفاصيله العجيبة الغريبة . مع العلم أن أبواب الفساد تنوعت واختلفت مداخلهُ ومخارجهُ وفق الأساليب التي من شأنها أن تحقق المصالح الشخصية بأسرع وقت ممكن . والطامة الكبرى أن من أخطر تأثيراته على المجتمع نمو ثقافة اجتماعية جديدة تبرّرُ ممارسة الفساد وتبيح اللجوء اليه وتخرجه عن دائرة ( المحرمات الشرعية ) أو ( المحرمات الأخلاقية ) . ووفقاً للتحليل العلمي المنطقي أرى أنه لا يمكن انقاذ البلد على جميع الأصعدة والمجالات دون القضاء التام على كل أنواع الفساد ، ولوْ بقي البلدُ على هذا الحال فلن تنفعَه كلّ الحكومات القادمة ( حتى لو كانت بمنتهى الكفاءة والاخلاص ) ولن تنفعهُ كلّ وسائل التغيير والاصلاح ، لأن أولى خطوات التغيير والاصلاح تتمثلُ بالتخلص من الفاسدين الذين لا يحترمون الوطن ولا يحترمون المواطن . ومن الجدير ذكره أن بعض الشخصيات المعروفة تحدثت وما تزالُ تتحدث في كلّ مناسبة عن دعواتها للتغيير والاصلاح دون محاسبة المنتمين اليها عن حجم الفساد الهائل الذي يمارسونه بشكل صلف . كما أنه لا يمكن مواجهة الفساد عبرَ مسارين متناقضين ، مسار جاد وحازم وصارم ، ومسار تحكمه المجاملات أو الخوف من الاصطدام . لأن مثل هذه المواجهة ستفقدُ هيبتها وستعقدُ المشهد أكثر فأكثر .