في 27 حزيران، 2015، اجتمعت القيادات الامنية الحاكمة في ديالى في معسكر اشرف وحصل اتفاق لأجل عودة النازحين، ورافق بعدها عدة دعوات من قيادات ونواب برلمانيين تؤكد عدم عودة النازحين والقوات المسيطرة على محافظة ديالى ابتكرت جملة عوائق تجعل من عودة النازحين مستحيلة، منها ((.. من تحوم حوله شكوك بالتطرف أو مساعدة الإرهابيين، ويمنع صاحب الدار وعائلته من العودة مع مناقشة وضع المنزل ومآله. .. وأن “الحشد الشعبي” أعدّ قوائم تضم آلاف الأشخاص حملت عنوان “لا يسمح لهم بالعودة لجذورهم الإرهابية)). (هذا ما ورد في الاتفاق نقلا عن موقع كتابات وصوت العراق ديالى).
وعلى الرغم من أن جميع ما ورد في ورقة الاتفاق مخالف للدستور العراقي والقانون ويرسخ حكم المليشيات ويضعف الحكومة الاتحادية ببغداد، وليس هناك أي نص قانوني او دستوري يغطي مضامين ما استند المتفقين عليه في اتفاقهم هذا؛ ولا نعرف هل من حق هذه القوات التصرف بأملاك الاخرين، ومن أتاح لها ذلك الحق، لاسيما انه لا يجوز استخدام القوة لإلغاء حق دستوري لا نزاع فيه ولا اجتهاد؛ فحق الملكية حق دستوري وحق مانع جامع؛ لا يجوز التصرف فيها او مصادرتها الا وفق القانون.
أين مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء عن تلك الاتفاقات لاسيما بتنا نرى ان المتفقين هم المسيطرين وهم الحاكمين وبطريقة تجعلنا امام انهيار دستوري وقانوني كبير وأكبر منه انهيار منظومة حقوق الانسان التي ترعاه مفوضية حقوق الانسان التي تم تسييسها بطريقة أصبحت كأنها فرع تابع لوزارة حقوق الانسان حيث ان تصريحاتها خجولة وتأتي من باب اسقاط فرض ليس الا.
ووصف محافظ ديالى مثنى التميمي (الممثل السياسي الأول لأبناء محافظته ووكيل الحقوق الإنسانية لأبناء محافظته)، ((…الاتفاق نص على السماح للنازحين بالعودة إلى المناطق المحررة باستثناء الملطخة أيديهم بالدماء،… والاتفاق على تخويلنا بإدارة ملف إعادة النازحين بصورة مباشرة إلى مناطقها في جلولاء والسعدية باستثناء المتعاونين مع تنظيم داعش)).
وكان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل فلاح الخفاجي أكد، في (16 أيار 2015)، ((إن عودة العوائل النازحة إلى ناحية جرف الصخر هو من صلاحيات الحكومة المحلية في محافظة بابل، ..عودتهم مرتبطة بإزالة العبوات الناسفة من مناطق الناحية..))
وأكد محافظ بابل صادق مدلول السلطاني((..أكثر من 20 ألف عائلة نزحت من مناطق جرف النصر .. عدم إمكانية إعادة العوائل النازحة إلى الناحية قبل إكمال عملية تطهير الناحية من العبوات الناسفة وتأهيل البنى ..)). ان هذا التصريح وفق العرف العسكري فيه تدليس وفيه من المصالح ما لا يخفى لان الناحية تم تطهيرها من عصابات داعش في 25 من تشرين الأول 2014 والجهد العسكري المطلوب لرفع عبوات ناسفة لا يستغرق أكثر من شهر او شهرين في اقصى صعوباته وتعقيداته.
ان حق الحياة والأمن والحرية حقوق دستورية، ربط دستور (2005) بينها منفرداً عن باقي الدساتير التي صدرت قبله، في المادة 15 ((لكـل فـرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذا الحقـوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءاً على قرار صادر من جهة قضائية))، لذا لا يجوز حرمان هذه العوائل من العودة لمساكنها والدولة معنية بتوفير سكن لكل مواطن فكيف بها، تمنع رجوعه لمسكنه؟
ان العقوبة في جوهرها هي عبارة عن نوع من القصاص من الجاني بقصد إيلامه فلا توقع إلا على مرتكب الجريمة الذي يتوافر لديه شروط المسئولية الجنائية عنها، أي أنه لا يجوز أن تمتد العقوبة إلى غير الشخص المسئول عن الفعل الإجرامي، ولا يصح أن تنال أحد أفراد أسرته، أو أحد أصدقائه أو أقاربه.
ان هذه الممارسات ظهرت من بعض قيادات المحافظات وبعض القيادات الأمنية والحشد الشعبي، وقد تكون هي رؤية حكومية، باعتبار بعض العوائل حاضنات لداعش، ولان الحكومة المركزية لحد الان لم تكن متصدية للملف بصورة تجسد بها مضامين الدستور والقانون؛ بخاصة ان الدستور النافذ(م19/ثامنا) والقانون ينص على قواعد امرة بان العقوبة شخصية وهذا معناه لا يجوز ان يأخذ الاب او الابن او الزوجة والأطفال بجريرة ذويهم، فاذا كان احد افراد العائلة حاضنة لداعش ما ذنب بقية افراد عائلته في هذه الممارسة (ان صحت) والعرف العشائري يجعل من الرجل ذو سطوة ونفوذ على عائلته، وبالتالي البقية لا حول لهم ولا قوة؛ وما علاقة طفل او امرأة بان تحرم من العودة الى بيتها ومحيطها ومقرها، لا لشيء الا لان هناك اتهامات بان زوجها او اخيها او والدها كان مع داعش او حاضنة لها، ان في ذلك تجاوز على القانون الدولي الإنساني وقبله الوطني العراقي لان العقوبة ليست جماعية، وليس هناك مفردة(لا يسمح لهم بالعودة لجذورهم الإرهابية او حاضنة عائلية) في القوانين المختصة، ونحتاج الى وقفة من القيادات الوطنية والسلطة القضائية للتصدي ووقف تلك الممارسات التعسفية، وان مسالة اثبات ان هذه العائلة او تلك بان لها جذور إرهابية كونها حاضنة لداعش فيه من التعسف الذي لا يقبله أي قانون او عرف او دين سماوي، وبات يخضع للاتهامات العشوائية والمزاجية وتأويلات ليس لها ادنى ما يزكيها من الوجهة القانونية او يصدقها من الوجهة الشرعية وامر التحقق من ذلك موكل للقضاء وحده، والعقوبة شخصية وليس هناك في أي قانون مسميات بان العقوبة جماعية.
فلا يجوز ان تقوم قيادات محلية باحتجاز عوائل بأكملها كما حدث في محافظة بابل عندما تم حجز أكثر من خمسين عائلة بتهمة انها حاضنة لداعش والقيادات المحلية ليس لها صلاحية اصدار عقوبات لان العقوبة قضائية وصلاحيات المحافظة إدارية، لذا لا بد وأن تكون العقوبة صادرة من قبل هيئة قضائية مكتملة الأركان حسب ما يقرره قانون أصول المحاكمات الجزائية وعن طريق حكم قضائي متوافرة فيه الشروط المشار إليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.
اننا لسنا بصدد الدفاع عن المتعاونين مع داعش الإرهابي، وإذا كان من الممكن حماية المصلحة الاجتماعية المراد حمايتها بوسائل أخرى غير العقوبة الجنائية؛ فإن لجوء المشرع إلى العقاب الجنائي يكون من قبل التعسف في استعمال حق العقاب، ومنافياً لما تقتضيه العدالة ومراعاة العدالة في مرحلة التجريم والعقاب، وبالتالي يجب أعادة جميع العوائل الى مساكنها خصوصا النساء والأطفال والشيوخ، اما من تكون عليه معلومة امنية او قرائن او ادلة تفيد باحتضانه لداعش الإرهابي؛ فان الفيصل في ذلك ساحات القضاء، لا ان يخضع لاجتهادات اللجان الأمنية للمحافظات او مزاجيات وتأويلات لقوات غير رسمية او إدارية؛ لان في ذلك مغادرة لحقوق دستورية وردت في قواعد امرة لا ينبغي انتهاكها. .
وقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) وفي الحديث الشريف للرسول الأعظم(ص) “لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه” وبهذا المبدأ فقد هدم الإسلام النظام الذي كان سائداً عند العرب في الجاهلية وهو مسئولية القبيلة مجمعة عن الجريمة التي تقع من أحد أفرادها.
في ظل هذه المعطيات والممارسات التعسفية بحرمان عوائل بنسائها واطفالها وشبابها ورجالها بالعودة لمنازلها باتهامات جزافية قاسية، سنكون قد انتهكنا باب الحريات وحقوق الانسان بالدستور، المادة (19/ثاني عشر والمادة 30/ اولا المادة 37/ب)، وهو انتهاك خطير، إضافة الى ان القانون قد منعه بنص المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي نصت (لا يجوز القبض على أي شخص او توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاضي او محكمة او في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك) ويتناقض مع ما صادق عليه العراق من اتفاقيات ومعاهدات دولية، حيث إن منع عودة هذه العوائل، يعد صورة من صور التعسف بحق الطفولة وحق المرأة وحق الانسانية.
ورغم سماعنا بان المنطقة الفلانية حررت والمحافظة الاخرى تحت سيطرة الدولة لكن نرى الناس لحد الان بعيدة عن دورها وعن سكنها تعيش في العراء تحت حرارة الشمس المحرقة؛ وهذا ما يؤكده نواب ومجلس محافظة صلاح الدين وديالى، بان العوائل المهجرة والنازحة لم يتم اعادتها لحد الان الى مساكنها تحت عدة اتهامات او افتعال عوائق امنية ليس لها أصول قانونية او اجتماعية او إدارية صلدة، وانا أكمل كتابة المقالة طالعت خبر إعادة مجموعة من العوائل الى السعدية، وفرحت كثيرا لكني أخشى ان تكون كسابقاتها عندما يتم تصوير عوائل قد عادت وهي في حقيقتها انها عادت إعلاميا؛ وليس هناك عوائل عادت كما أكدته النائبة ناهدة الدايني عدة مرات ونواب اخرين.
ويعلم الجميع بأن أهالي امرلي عادوا إلى دورهم بعد (تحرير) مدينتهم مباشرة ولم يسمح للمواطنين في أماكن كثيرة من العودة إلى مدنهم (المحررة)، وعندما يشعر المرء بالأمان في بيته يتمني لو انه قام بمغامرة وعندما يقوم بمغامرة يتمني لو انه عاد ألي بيته ليعيش في أمان، والجوع شيطان رجيم يدعو إلى الخطيئة، فلا تدعوا هذه العوائل ترتكب الخطيئة وتصبح حواضن داعشية وارهابية حقيقية.