عنوان المقال هو عبارة للكاتب الروسي الكبير (تيودور دستوفيسكي)، صاحب الرواية الشهيرة ( الأخوة كرامازوف أو الأخوة الأعداء). أرى ان العبارة تشكل ركنا أساسيا في التركيبة النفسية لكل أنسان، والى ما أختزنه صندوقه الأسود الذي نسميه الذاكرة، من مواقف ومشاهد وأحداث خلال سني حياته. أن الأنسان وبالفطرة التي جبل عليها يريد أن تختزن ذاكرته فقط الأمور والمشاهد والصور والذكريات الجميلة التي مرت بحياته!، ومن الطبيعي هذا ليس ممكنا لأن الأنسان وخلال مراحل حياته العمرية ومنها مراحل حياته الدراسية والوظيفية والأجتماعية يمر بالكثير من المواقف وتمر عليه الكثير من الأحداث، وهذه الأحداث والمواقف تكون متباينة منها الجميل ومنها المؤلم، وبالنهاية هي مرت وأنتهت وألت الى ما آلت أليه من نتائج وأصبحت ضمن تاريخه الشخصي الذي لا يمكن التلاعب به والتأثير عليه وحتى تزويره، وأصبحت مخزونة في الصندوق الأسود لكل أنسان والذي هو الذاكرة!. فالذاكرة تحتفظ بماضي الأنسان بكل تجلياته الجميلة منها والقبيحة، فالأنسان وخلال مسيرته الحياتية، معرض أن يقع أو يرتكب الكثير من الأخطاء والتي لربما يصل قسم منها الى الخطيئة المرفوضة دينيا وليس أجتماعيا فحسب!، فعلى الأنسان أن يتحمل نتيجة تلك الأخطاء التي أرتكبها سواء بقصد أو بدون قصد، وكذلك المواقف التي أتخذها سواء كانت بأرادته، أم أتخذها لقلة نضجه ، أوغلبته عواطفه في حينها أو دفعته مبادءه وقيمه الأنسانية وشهامته في أتخاذ ذلك الموقف!. فكل الأحداث التي تمر على الأنسان في مراحل حياته تبقى أكثريتها وتحديدا غير الجميلة! منها مطبوعة ومخزونة في الذاكرة لا تفارقها حتى نهاية عمره!. وغالبا أن الأنسان الذي يراجع نفسه وتصرفاته دائما، والغير راضي عن نفسه!، لأي سبب من الأسباب هو من يتذكر ماضيه الشخصي بكل ما فيه من محاسن أو مساويء ويتذكر كل محطة من محطات حياته، تذكرا، أقرب ما يكون للمراجعة والمحاسبة منها الى الذكريات العابرة!، يرافق ذلك التذكر مجموعة أسئلة!، منها: لماذا تصرفت هكذا؟، ولماذا لم أتصرف هكذا؟، أين كان عقلي؟ وماذا دهاني كيف تصرفت ذلك؟ ، كم كنت أحمق، كم كنت متهور؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير رغم فوات أوانها، ألا أنها تظل تلح عليه وتراوده دائما ،لأن نتائج تلك المواقف والأحداث هي التي حددت مستقبله ووضعه الحالي الذي هو غير راضي عنه كل الرضا!، وهي أشبه من جلد الذات والمحاسبة والقصاص من النفس عن كل تلك الأفعال؟. كما أن هذا الشخص طالما يسرح مع الماضي الذي لا يخلو، من الخيال والتمني!، فطالما هو يحلم بأنه لو يرجع به الزمن الى الوراء!، ليصلح تلك المواقف والخيارات التي أتخذها على كل الأصعدة، وليأخذ خيارات ومواقف أخرى بدل عن تلك المواقف الذي أتخذها في حينها!، لأنها لم تكن مواقف صحيحة، ولأنه لم يكن موفقا في أتخاذها!. وهذه المراجعة، كما ذكرت تكون دائما مع الناس الحريصين الذين يرون بأنهم بسبب أخطاء بسيطة وأختيارات سريعة ومتعجلة مع عدم النضج والفهم وأيضا لسوء حظهم وطالعهم في الحياة ، وقعوا في تلك الأخطاء!، التي بالأكيد كان لها أثرا كبيرا في تحديد مستقبلهم المهني والأجتماعي والسياسي حتى؟!،. في المقابل أن الأنسان الذي حقق نجاحا طيبا على مستوى الدراسة والعمل وحتى على مستوى الحياة الأجتماعية لا تختزن ذاكرته بمواقف يريد أن ينساها!!، وأن وجدت فهي قليلة وتعد على أصابع اليد!، لانه حقق كل ما يريد، وقد أبتسمت له الحياة، ولم يخذله الحظ أبدا! ، عكس ذلك الأنسان الذي يرى أنه كان يستحق مستقبلا أحسن وأفضل من الذي هو فيه!، فهذا الشخص هو من تمتليء ذاكرته والى حد الأنفجار بالكثير من المواقف والأحداث التي أثرت على حياته وتحديد مستقبله والتي يريد أن ينساها أو يمحوها!. الشيء المؤلم أن ذاكرة هذا الأنسان وأمثاله غالبا ما تنسى المواقف والمشاهد والصور الجميلة!، ولكنها مصرة أن تتمسك وتختزن المواقف والمشاهد التي لا يريد أن يتذكرها!. وفي الحقيقة أنه صراع نفسي مرير ومدمر!، وخاصة مع الناس الأسوياء الذين يرون أنفسهم بأنهم لم يأخذوا نصيبهم من الحياة بما يستحقون؟!، والذين يريدون أن يقوموا أنفسهم ويتجنبوا أرتكاب الأخطاء أو الوقوع بها. ومن جانب آخر، أن ما تكلمنا عنه، عن المواقف والأحداث ومراحل الحياة بكل صورها وأشكالها والأحداث التي مرت بها وتحديد المستقبل على ضوء تلك المواقف، لا يمكن أن نلغي فيه موضوع (القدرية والمكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين)!، وهل الأنسان مسير أم مخير؟، وهل أن ما آلت أيه حياته ومستقبله ووضعه الأجتماعي والأنساني هو قدره في هذه الحياة، وهو ماكتبه الله عليه وله؟ أم أنه من صنع يديه؟. فعلى سبيل المثال: ليس بيد الأنسان أية تدخل عندما خلقه الله عز وعلا وأعطاه درجة محدودة من الذكاء أهلته أن ينجح في الحياة الى درجة مقبولة، في حين أنه أعطى غيره من الذكاء بأن يصبح طبيبا أو مهندسا مشهورا أو عالما متخصصا أو أديبا كبيرا أو فنانا مرموقا، او رياضيا مشهورا، فهي بيد الله ومن صنعه!؟. فالأغنياء من الناس الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب كما يقال، ويتوارثون هذا الغنى الأجتماعي والطبقي أبا عن جد، لا أعتقد أن ذاكرتهم تختزن شيئا مما يريدون نسيانه!!، عكس الأنسان الفقير والمكافح والعصامي الذي تحتفظ ذاكرته بكل صور ومشاهد الضيم والتعب والألم التي مرت بحياته!. وهكذا هي الحياة فمثلما هي متباينة من شخص الى آخر، كذلك الذاكرة هي تكون متياينة أيضا!. وأخيرا أقول ياترى ماذا تختزن ذاكرة غالبية سياسيينا عن حياتهم وتاريخهم، قبل 2003، وما بعده؟.