أعترف بدءاً أني لم أقل كلمة (لا ) لأي شخص وبأي منصب في العهود الخوالي ، لا لرئيس – وذلك كفر في حينها وإنتحار- ولا لوزير ولا لمدير ولا حتى لرئيس عرفاء وحدة ،الآن وقد حبانا الله بدستور يتيح لنا حرية الرأي والحوار ولما أعرفه عن المنادى المقصود في اللغة والتشخيص فالواجب الوطني والانساني يدعوني لأقول (لا) فقد تشفع لي (لا) ناعمة وخفيفة عند اختلافي مع من كتب في يوم العراق يوم السيادة ( معاً لبناء الوطن والانسان ) ولأن القصد إيجابي وبنّاء ، أقولها مطمئنا، كانت فلسفة القائل تراتبيا أنْ قدّم بناء الوطن على بناء الانسان وهذا لَعمري لن يُجدي نفعا في بلاد خُرّبَت فيها النفوس وإنعدمت الثقة بين المسؤول والمواطن سيما ونحن نسابق الزمن في إصلاح ما دُمّر . الوطن قطعة أرض جامدة بثرواتها وخيراتها لا يحركها إلاّ فعلُ إنسان ، ونعرف تماما أن الانسان في العراق مخرَب ومدمَر ومعطَل وبين أحرف مقالتكم قراءة وإقرار بهذا وإلا فلماذا نبني الانسان ؟ الانسان يعمر ويخرب ويزرع ويدمر ويفسد ويصلح ويطلح ويتآمر ويطمع ويبني ويدافع لذلك أرى أن نبني الانسان قبل الوطن في مرحلة تحول موضوعية مفصلية حساسة لن تعوَض في تأريخ بلد نعي جيدا أن الانسان فيه محبَط ومتمرِد وغير واثق من أية خطوة للبناء وإليك الأدلة : لا أستطيع أن أقول (لا) لجاري الذي مد سلكه ليسرق الكهرباء مني تجاوزا ولا أقولها لمن يحفر الشارع متجاوزا على الانبوب الرئيس للماء ولا أنبس ببنت شفة لمن بنوا على الرصيف محالهم فأضطر أطفالنا الى المسير في الشارع ودهس الكثير بالسيارات من جراء ذلك ، أقسم بالله أني لا أستطيع أن أقولها لهؤلاء بينما أقولها لك ، ألا يجبرنا هذا على التفكير ببناء الانسان أولاً ؟ مثال آخر ، فقد أصدرت إحدى مديريات المرور في محافظةٍ واحدة ما عديدُه أربعون ألف إجازة سوق بينها ثلاثون فقط للنساء والباقي للرجال !! كيف نفسر هذا ؟ وما هي درجة وعي المجتمع لدينا ؟ وثمة المئات من الظواهر على هذه الشاكلة وأصعب. نعم إن المهمة عسيرة جدا فالانسان لا يضاهيه بناء ناطحات سحاب وإن بدأنا علينا أن نبدأ من تحت الصفر لأن الصفر يعني الأنسان الخام في حين أن لدينا جيلا يختلف عن الآخرين ، ألِفَ مشهد الدم والموت والفوضى والخطف لذا علينا أن نتسلق بهم المدراج لنصل الى درجة الصفر ثم نبدأ البناء بالتوعية والارشاد والتوجيه وننسيهم كل فعل ماضٍ مثل : قتلَ وسفك وشرد وأعدم ، لنحوّلها الى مضارعات مثل : يبني ويحسن ويصلح ويبدع ويفوز ، ولا يدعونا هذا لليأس أبدا فثمة ما يبشر بالخير ، هاهم مجموعة من الخريجين تبرعوا لتدريس طلبة الثانوية مجانا لمحاربة المفسدة الكبيرة ظاهرة الدروس الخصوصية وهذا نموذج بسيط جدا ، أليس من المفترض أن يستنفر ذلك إعلامَنا وبالأخص ما تملكه الدولة ؟ أليس من الأحرى بنا أن نوجه المواطن بالابتعاد عن رعاية الدولة له ريعيا ليشق طريقه في بناء مستقبله بضمانها مع قدرته وجهده الفردي معتمدا على توجيه ذوي المعرفة؟ للأسف فان هذا النوع من الاعلام مفقود لدينا لأن أغلب وسائل الاعلام أصبحت جزءا من الفئات المتنازعة ودخلت المخاض والتوترات الحزبية والسياسية ونسيَت الهدف الأسمى الذي وعيناه أنا وأنت وهو بناء الانسان والوطن ، نعم قدمتُ الانسان خلافا لما جاء في كلمتكم للأسباب التي أسلفت .
[email protected]