19 ديسمبر، 2024 2:47 ص

لا وقت للوقت في نينوى …!

لا وقت للوقت في نينوى …!

أرسل الله يونس ع ، وجعل بطن الحوت حاملة طائرات نقلته وعدته الحربية ــ الروحية لينقذ أهل قرية  نينوى ، فكان خير رسول لربٍ رحيم ، رب يوصي عباده بأن لا يهدموا الجمال ، وما كان من أساطير الأولين فهو تجارب وتذكر وعبر وليتقيَّ المتقون.

ومنذ حوليات يونس وصحائف سنحاريب والواح بانيبال عاش المكان حجر من كلس ورخام لم ينتبه الى طلله الغزاة ، لا فرس ،لا أتباكه ،لا روم ، ولا ترك . الإنجليز فقط من انتبهوا الى كنوز نمرود ، وابتدأوا منذ مجارف ( هنري لا بارد ) وحتى زمن ( المحافظ  ) ومن ازاح حكومته من مرتدي الثوب الافغاني دولة ( الهرطقة والبرابرة )  يظهرون لنا سحر مجد يسمى مجد كبرياء آشور وثيرانه المجنحة ، تلك التي أصابت الروائية الانكليزية الشهيرة أجاثا كريستي بالذهول من الاحجام الهائلة للغطرسة يوم رافقت زوجها الآثاري ماكس ما لوان : هذه المنحوتات الغامضة لا تمنح ناظرها سوى مشاعر القوة والفخر والجبروت.

لا أدري أن كان من نحس عقلي وخيالي وتنبؤاتي هذا المشهد الذي يسكن فزع الخوف من كارثة اسميها انا في ثقافتي كارثة ( تكسير الحجر ) بالمعاول بعدما كانت بعثات التنقيب  قد اخرجته لنا بسلال الخوص والمجارف.

وربما صورة ما رأيناه في متحف نينوى واخبار ما سُرقَ وبيع من اثاره لهو خبر مفزع جعلنا نترحم الف مرة على قناصل الروس والالمان وعمداء جامعة بنسلفانيا لأنهم اخذوا اثارنا نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين ليحتفظوا بها سالمة ويقومون بدلا من بؤس الحكومات وبرودتها بتعريف العالم بتراث بلاد انجبت الشعراء والانبياء والقديسين والمتصوفة في رحم واحد.

وعلى من يطالب بعودة آثارنا أن يصمت لحين ويتركها بالحفظ والأمان في متحف اللوفر وبرلين والمتحف البريطاني ، فما حدث في المتحف الوطني يوم دخول المارينز الى بلاد علاوي الحلة وما فعلته مطارق داعش على رؤوس اهل نينوى التاريخيين يُرينا سبب السكوت عن المطالبة بما سُرقَ ونُهبَ في الحقبة الاستعمارية وزمن المنقبين  ، ولنفكر الان بحفظ ما تبقى ، وأن لم يتبقى شيء ، حيث اقامت اليوم اليونسكو مناحتها عندما نقلت الاخبار خبر سير الجرافات والشفلات صوب المدينة التاريخية القديمة ( النمرود ) وبدأت بسحقها حجراً حجرا.

الآن ، أنا لا اسمع طرقا لدموع أحد على هذه المراثي والاحزان وتعاسة أن نترك ارثنا الحضاري بيد حثالة جاء من الفلبين وسنغافورة وخمارات بخارى وريف الحسكة .

فقط دموع الفقراء والمثقفين والشعراء هي من تصنع نحيبها مع نحيب سنحاريب أن يبكي الذي لم يتعود منذ أن جلس على عرش نينوى.

لكنه ينحب الآن ، ليس على اصطبل خيول الوالي وعقارات مسؤوليها ، بل يبكي على أرثه الذي اراد فيه أن يصنع الرهبة والمجد بقساوة وبملاحم المسلات وبالأغارة على ارض بابل و طيبة ومدن العالم القديم.

والآن من يُغير على اسوار سنحاريب هم حفاة دشاديش مكائن الخياطين في كابول وقندهار ، وهذا الموصلي الذي ينتعش ولاته اليوم في فنادق اربيل لاحول له ولا قوة .

لقد اعطى القدر والعسكر النائمون نينوى الى حفنة من جهلة الفتاوى ومرتدي خوذة هولاكو ليدمروا ارث نينوى وروحها.

جرفت الشفلات ارث نمرود اليوم ، وغدا سيبدأون مع الحضر . وحتى نحتفظ بما تبقى لنا من ماء وجهنا الآثاري ، اقول لكم : هبوا لإنقاذها ، لا وقت للوقت في نينوى..!

أحدث المقالات

أحدث المقالات