أيها الغائب الذي لا يغيب..أيها القريب البعيد..أيها المتواري عنا العنيد..في ديار أنت فيها القائد الكبير..وسط بنات الصدر لن تجد في البعد سبيلا..وسط بنات أفكارك لن تجد مثلي بديلا..وسط قصور شيدتها لن تجد لدائك دواء..وسط النعم لن تكون بدوني سعيدا..صدقني ليس كل ما يلمع ذهبا..وليست كل الأمثال عبرا..ليس كل فؤاد يخفق لك حبا..وليس كل إلياس في قبيلته نبيا..ليس كل ماجد تاما كاملا..وليس كل عبد، للإله مخلصا..ليس كل عثماني في حكمه عادلا..وليست كل قصيدة لسيف الدولة مدحا..ليس كل مدح في حضرتكم لزاما..وليس كل جرح ألم بنا ألما..ليس كل اعتراف بالحقيقة إقرارا..وليست كل التقارير التي ترفع عني حقيقة..ليس كل عيد في عهدكم عيدا..مادامت الكرامة، أصبحت شيئا نادرا..ما دام المظلوم بات على الرف مركونا..لا تطلب مني أن أصمت إطلاقا..لا تحسبن شعري لكم هجاء..أو قصائدي تلقى قذائف يمينا وشمالا..بل اعذر لسانا بغير لغته متحدثا..لأمير لم يتسنى له تحقيق الأحلام..اعذر امرأة مزعجة منزعجة..لا تهوى من يرقص للشيطان..ليس كل خشوع فيه إيمان..وليس كل خنوع لكم فيه وقار..”إذا رأيتم أنياب الليث بارزة..فلا تحسبن أن الليث لكم يبتسم”..لا تحسبن لساني لكم هجاء..بقدر ما هو دعوة لتعديل كفة الميزان..لا تدعهم يجعلون منا شعبا غبيا..لا نصلح إلا للهتاف..لا تدعهم ينتهزون فرصة الإفلات من العقاب..حكومة سرقت منا الميراث وجعلت منا حميرا نعشق البرسيم..بسببها أخرجنا من حساباته التاريخ..بسببها كل شيء أصبح عنا يصيح..شعب بئيس أيامه تكرار..بسبب البهتان صفق لهم الشيطان..قرعوا الطبول وأعلنوا جنازة الأوطان..كل شيء عليهم يهون..إلا أن يكونوا رجالا ويعلنوا الغروب..
أموالهم أموال الشعب مكدسة في بنوك البلدان..أبناؤهم غير أبنائنا يولدون في بلاد سام..عشيقاتهم في رحلة مستمرة بين فرنسا واليونان..يبحثن عن وطن جديد يستحق احترامهن..عن جواز سفر لونه كأحمر الشفاه..يبحثون عن نسب شريف..عن تاريخ جديد..عن شعب جديد يتحايلون عليه..أزواجهم ينهمون الغلة..وينعلون الملة..بلا رحمة..منشغلون باغتيال من يسأل عن عدل السلطان..
لا تحسبن شعري لكم هجاء..فكيف يجرأ لسانا على ذم من كان المتنبي بمدحه قاصدا..يا من فيكم الخصم والحكم..اعذر من في قلبها سقم..شر البلاد أن يكون فيها من ماتت ضمائره..وشر البلاد أن يحيا فيها سايلا ويموت حرائره..انعي الظلمات وميل الميزان..وأهنئ إحياء رميم المتنبي في عهدكم..مالي أرى مطر من العراق لي يبتسم..ونزار عن المغرب في قبره يتألم..كيف لا وقد تشابهت بحور قصائدنا..عنوانها لصوص أصبحوا مسئولون في بلادنا..يصطفون تباعا خلف موائد الملذات..يلتهمون الحلوى وخيرات البلاد.. يغتنون على جهل الإنسان..ويأكلون حقي وحق الأطفال..لا دماء الشهداء، لا حراك الريف..ولا بحور الأشعار، استطاعت تعديل الأحوال..هذا يتزايد على حقوق الإنسان..وهذا يتاجر بمحمد ودين الإسلام..هذه أحزاب على الشعب تتآمر باستمرار..على الله يتحايل تجار الجنة والغفران..صدق مطر حين قال: دع أقوال الأمس وقل لي..ماذا تفعل أنت الآن؟..وصدق نزار حين قال عشرون سنة نعيش كالأغنام..خلف من يزنون بالكلام..أقول..عشرون سنة نحصي الموتى في البحار..تداس كرامتنا كالأوحال..من بعدها نعود لنغني يا سادة يا كرام..صفقوا للشباب الشجعان..لما الزعل؟ لا يموت غرقا في البحر إلا الرجال..ولا تنبح في البر إلا الكلاب..عشرون سنة ونحن تحت رحمة الأنذال..تداس كرامتنا بالأقدام..كل يوم علينا أن نقدم الإشهاد وأوراق الإثبات..حتى نصنف حسب الأصل والانتماء..هذا من العاصمة وهذا من أهل فاس..هذا أصيل اسمه ينطح السماء..وهذا وافد نال تأشيرة الشرفاء..هذا نبيل شفعت له كثرة الأموال..وهذه أنا أبكي حالي للغرباء..ثلاثة وستون سنة مضت على الاستقلال..ماذا اقترفنا حتى نجني مثل هذه الثمار..وا معتصماه..مالي أرى شأني بينكم قزما..صدقوني أحمل بطاقة وطنية مثلكم..عشرون سنة ونحن نحكي نفس الموال..علنا نجد حيا يسمعنا بين الأموات..اعتبر ما أكتبه شعرا أو نثرا..هجاء أو نقدا..اعتبرني في حالة سكر أو انتحار..المهم لا نهضة بدون أخلاق..(يتبع).