نظرية أو فلسفة “المنقذ” يعود تاريخها الى آلاف السنين، وارجّح أنها انبثقت مع ولادة الفلسفة باثينا في اليونان القرن السادس قبل الميلاد، فكبرت وتطورت وتغذت من لبن واحد مع الفلسفة نفسها، ثم اخذت تسير معها بخطى واحدة.
وقد تسربت، هذه النظرية، الى العديد من الاديان، الوضعية والسماوية، فهي نظرية اصبحت اليوم عالمية، فالبوذية، مثلا، ينظرون الى أن بوذا هو منقذهم، وكذلك الزرادشتية، والمسيحية، والهندوسية، والطاوية، وغيرها من الاديان، كلٌ ينظر الى مؤسس دينه، على أنه هو منقذه في آخر الزمان، حينما تتكالب عليه المحن والخطوب… حتى تسربت تلك النظرية الى الدين الاسلامي، والذي هو آخر الاديان السماوية، واتفق علماء الاسلام على شخص بعينه هو ذلك المنقذ، وانه من ذرية النبي، لكنهم انقسموا الى فريقين: الاول(السنة) قالوا سيولد، والثاني (الشيعة) قالوا: ولد ثم غاب، خوفا على حياته من الاعداء.
ابن خلدون (وهو مؤرخ مسلم وواضع علم الاجتماع الاسلامي) في مقدمه هو أول من فند وانكر هذه النظرية، والانكار هذا اعتبره الكثير بأنه انعطافة كبيرة في الفكر الاسلامي والايمان بهذه النظرية، حتى بعضهم قد كفره، متذرعا: أنه هذا ليس من اختصاصه، لأنه متبحر بالتاريخ ليس غير قضية عقدية.
ولو أتينا الى فلسفة هذه النظرية نراها جيدة، ولا بأس بها كفكرة عامة، فهي تعطي للإنسان، وخصوصا المتدين، الامل بالحياة وبلذة العيش، فكما يقول المثل العامي (لولا الامل، لضاع العمل)، فالإنسان، طالما يعيش على الامل والاهداف السامية التي يرجو سدادها، لفضّل الانتحار على العيش في حياة ضنكة، مستباحة فيها حقوقه ومنغص فيها عيشه، ومسلوبة ارادته، على يد الظلمة والمتسلطين من حكام الجور، وما اكثرهم في تاريخ الانسان، حتى يومنها هذا.
فأنا مع هذه النظرية، ولا اعادي من يؤمن بها، ويجعلها من اولويات عقيدته، لكن بشرط: أن لا يعممها على الآخرين، ويجبرهم على اعتناقها والايمان بها ايمانا مطلقا، فإنكارها لا يعني انكار وجود الله، أو اجحاد نبوة النبي. واعتقد أنْ لا منقذ للإنسان الا الموت؛ فالإنسان دائم التعرض الى المعاناة والآلام، والى العوز والحرمان، فضلا عن الظلم الذي يكابده من ابناء جلدته، علاوة على الفقر ونقص الحاجة، والامراض التي تتكالب عليه، بمختلف صنوفها، ومنها امراض عضال مستعصية، كالسرطان مثلا، وامراض نقص المناعة المكتسبة والتي لا يرجى برؤها، وبهذه الحال الانسان يفضل الموت، بل يتمناه، ومنهم من ينتحر، ومنهم من يطالب الطبيب بالموت الرحيم، للخلاص مما يكابده من آلام لا يدرك قسوتها الا المريض نفسه، فلا اجد مخلّص حقيقي ينتشله من بحر تلك الآلام وينقذه من امواجها القاسية، والتي هي اشد من الزؤام، الا الموت نفسه، والذهاب الى عالم لا ندرك كنهه على وجه الدقة واليقين، عالم فسيح وواسع، ثم أن الموت هو الحقيقة المطلقة العيانية التي لا ينكرها: مؤمن أو ملحد، عاقل أو مجنون، عالم أو جاهل. وقد عبّر الفيلسوف الالماني شوبنهاور عن الموت بقوله:” إن الموت هو مجرد سلطة ثانوية في افراز الفائض”.