عبارة “لا ملحدين في الخنادق” أو “There are no atheists in foxholes” هي قول مأثور يعني بأنه في أوقات الإجهاد الشديد أو الخوف، كما هو الحال في الحرب، كل الناس سوف يؤمنون، أو يأملون، بسلطة عليا.
أصل المقولة غير معروف بدقة، ولكن المؤكد إنها أطلقت في الحرب العالمية الثانية، وقيل إنها للقس في الجيش الأمريكي وليام توماس كامينغز وقالها في خطبة في الميدان خلال معركة باتان في عام 1942، وقيل إنها للكولونيل وارين جي كلير، الذي كان موجود في معركة باتان أيضاً، وقيل إنها للفتنانت كولونيل وليام كيسي. ولكن أغلب المصادر تنسبها للمراسل الحربي إيرني بايل، وقد نقلت عن آخرين بصيغ أخرى.
رغم إن منشأ العبارة كان يتحدث عن وضع الجنود في حالة الحرب إلا إن الكثيرين استخدموا هذه العبارة في حالات أخرى وصارت تعني إن الإنسان يلجأ للإيمان عندما يكون تحت ضغط شديد، كما في حالات الخوف وفي الأزمات الدولية والمحلية والشخصية، وقد استخدمها بعض الكتاب عند الحديث عن الأزمة المالية. ونرى الكثير من الأفلام الأمريكية تركز على هذه الفكرة حيث نرى اللجوء إلى الدعاء والتوسل بالسماء في الكثير من مشاهد الأفلام التي تتحدث عن الكوارث والحروب.
رابط للتعرف اكثر على المقولة وأصلها
http://en.wikipedia.org/wiki/There_are_no_atheists_in_foxholes
لفحص المقولة تجريبياً، قام خبير الاقتصاد السلوكي في جامعة كورنيل برايان وينسينك بدراسة بعنوان “هل هناك ملحدون في الخنادق؟” وذلك بمعاينة المسوحات بعد القتالية لـ(949) من جنود قوات المشاة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، ولاحظ إن اعتماد هؤلاء الجنود على الصلاة ارتفع من 32٪ إلى 74٪ كلما اشتدت المعركة أي اكثر من الضعف. ولاختبار التأثير الدائم للقتال في السلوك الديني، أجري مسح متابعة بعد مرور 50 عاماً على عينة مختلفة من المحاربين القدامى من جميع فروع الخدمة. وأظهرت هذه الدراسة الثانية إنه وبعد مرور 50 عاماً، لا يزال العديد من الجنود يظهرون السلوك الديني مع الاختلاف بحسب تجربتهم في الحرب.
رابط الدراسة، والصورة مرفقة مع المقال
http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2277773
شواهد قرآنية تشير لمعنى المقولة بصورة أدق:
قال تعالى في سورة الإسراء (الآية 67-69) : “وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا “.
وقال تعالى في سورة يونس (الآية 12) : “وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “.
وقال تعالى في سورة يونس (الآية -22-23): “هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.
وقال تعالى في سورة النحل (الآية 53) : “وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ”.
وقال تعالى في سورة العنكبوت (الآية 65) : “فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ”.
وقال تعالى في سورة لقمان (الآية 32) : “وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ”.
وقال تعالى في سورة الزمر (الآية 8) : “وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ”.وكذلك (الآية 49) منها :”فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”.
الخلاصة إنه في وقت الأزمات يلجأ الإنسان إلى ما يعتقد به حقاً، ويكف عن خداع نفسه لأنه يكون في خطر حقيقي ويكون في حالة يأس من أي حلٍ آخر، وهذا من الشواهد على إن الإيمان شيء فطري حقيقي ولكن المغريات والشبهات هي التي تبعد الإنسان عنه.
عندما تشتد الأزمات الكل ينادي يا رب حتى من ينكر وجوده فسبحان الله رب العالمين.