لا زالت طبقة المثقفين وأصحاب الفكر والرأي في العراق في صدمة من ما يسمّى بقانون مجلس قبائل وعشائر العراق , الذي تمّت قراءته الأولى تحت قبة مجلس النوّاب العراقي , ولا زالت العامة من أبناء الشعب العراقي تجهل الأسباب الحقيقية التي دفعت الجهات التي تقف وراء هذا القانون المتخلّف , فالجميع غير قادر على التصديق حتى هذه اللحظة أنّ قانون العرف العشائري الذي ألغته ثورة الرابع عشر من تموز قبل 58 عاما يعود من جديد تحت عناوين ومبررات سخيفة ومضحكة , ففي توضيح للسيد شيروان الوائلي مستشار رئيس الجمهورية المسؤول عن إعداد مشروع هذا القانون بالتعاون مع أمير الكناني المستشار الآخر في رئاسة الجمهورية والقيادي في التيّار الصدري ولجنة العشائر في مجلس النوّاب , قال ( العشيرة هي البنية الأساسية للمجتمع العراقي , ومعظم العراقيين ينتمون إلى العشائر ويستنجدون بها عند الحاجة وبالذات في مراحل ضعف الدولة , وعبر تاريخ العراق الحديث كان للعشائر دور مهم في ثورات العراق ) , وفي معرض تبريره لتشريع مثل هذا القانون يقول السيد شيروان الوائلي ( إنّ نفوذ العشائر الآن هو أقوى من جميع الفترات في تاريخ العراق الحديث , وهنالك تسرّب للسلاح المتوسط والثقيل لدى العشائر , وأنّ هذه العشائر قد حمت الكثير من المجرمين والفاسدين في المجتمع بفضل حماية العشيرة , والذي نحتاجه هو قانون لتهذيب الأعراف لحماية المجتمع والقانون , ويقول أنّ هنالك أعراف عشائرية تستحق أن تكون قواعد دستورية منها أنّ صاحب السودة ( أي الجريمة المخلّة بالشرف ) لا يدفع له فصل ) .
فالسيد الوائلي يرى أنّ نفوذ العشائر المتعاظم وتعدّيها على القانون والنظام العام , يستوجب أن يشرّع لها قانون يهذب هذه الأعراف ويربطها بالدولة من خلال مجلس قبائل وعشائر العراق , واستحداث مجالس محلية للعشائر في المحافظات كافة , وفرعية في الأقضية والنواحي , من غير أن يوّضح جناب المستشار باي قانون سيعمل مجلس قبائل وعشائر العراق ؟ فهل سيعمل بقوانين الدولة المدنية وبقانون القضاء العراقي , أم بقانون العرف العشائري والسانية المعمول به منذ القرون الماضية ؟ وهل أن جميع الأعراف العشائرية تتفق مع الشرع والدين والقانون والتطوّر الذي وصلت له المجتمعات البشرية من رقي حضاري ورفاه اقتصادي ؟ وما هي القيم الحضارية في الموروثات والأعراف العشائرية التي تستّحق أن يشرّع لها قانون ونحن في عصر الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ؟ أي قيم حضارية تلك التي يمّثلها العرف العشائري والسانية ؟ وهل من المنطق حين تضعف الدولة ويتراجع القضاء أن نركن إلى العشيرة وأعرافها المتخلّفة كبديل لإحلال القانون والعدل والنظام ؟ أم نعمل على تقوية مؤسسات الدولة المدنية والقضائية بما يضمن تطبيق القانون على الجميع وحماية مصالح وأرواح وممتلكات الناس ؟ وماذا عن النزاعات التي ستنشأ بين القبائل والعشائر من أجل تمثيلها في المجلس المركزي ؟ فكم أعداد هذا المجلس وأي قبيلة سيكون لها شرف التمثيل في هذا المجلس ؟ وماذا أيضا عن النزاعات التي ستنشأ داخل العشيرة الواحدة في تعيين من يمّثلها ؟ وهل الوضع الأمني في البلد مستعد لمثل هذه النزاعات التي ستنشأ حتما والتي ستحرق الأخضر واليابس , ومن سيتحمّل هذه النفقات في ظل هذا الوضع الاقتصادي العصيب ؟ أسئلة أضعها أمام الرأي العام العراقي من أجل التصدي لهذا القانون المتخلّف ووئده قبل أن يرى النور .