22 نوفمبر، 2024 11:43 م
Search
Close this search box.

لا للتفويض … نعم للصلاحيات

لا للتفويض … نعم للصلاحيات

يقوم مبدأ الفصل بين السلطات  ( التنفيذية ، التشريعية ، القضائية ) على قاعدة ان حيازة القوة وتركيزها يفضي الى الإستبداد ، وهذه القناعة تستند الى التجربة البشرية في الحكم ، وكتأكيد لهذه المخاوف ، ولتجزئة السلطة اكثر إتجهت الديمقراطيات في العالم الى تفتيت آخر للسلطة من خلال نقل الكثير من صلاحيات المركز الى الاطراف ( اقاليم ، محافظات ، بلديات … الخ ) ، اذ ان هذين المستويين من التوزيع للسلطة ( الأفقي ، والعمودي ) لايمنحان الحكومات  الاستجابة المرنة والمباشرة لاحتياجات المواطنين والحد من بيروقراطية الادارة والفساد فحسب ، بل وايضا يقدمان ضمانات اكيدة لمنع تركيز السلطة بيد شخص او مؤسسة او جهة بما يتيح لها الاستبداد والتفرد وتهميش الاخرين ،  لكن هذا الفصل ضمن في ذات الوقت تعاون اذرع السلطة المختلفة وتكاملها عبر آليات رسمتها الدساتير لبيان العلاقة بين سلطات الدولة المختلفة .
ورغم ان العراق عاش تجارب مريرة مع الدكتاتوريات جراء حصر السلطة او القوة بيد الحزب الواحد او الفرد القائد ، فان قيام نظام حكم برلماني ديمقراطي لاحقا لم يحل دون منح رئيس مجلس الوزراء ضمن دستور العام 2005 صلاحيات واسعة ترقى الى صلاحيات نظرائه في النظم الرئاسية ، وان اي حيود في اداء رئيس الحكومة لايعود الى نقص صلاحياته الدستورية ، بل الى الخلل في استخدامها اما بخرق الدستور والعمل خارج أطره ، او بالضعف والتردد عن النهوض بالمسؤوليات الدستورية والإتكاء على حسابات مريبة ومغلوطة ، وكلا الحالين حصلا مع رئيس الحكومة السابق وانعكسا سلبا على جميع السلطات الاخرى ، وهو مانأمل الا يتكرر تاليا مع السيد العبادي .
ان ضعف الخدمات وغياب بعضها ، وتردي الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطن والبلد ، واستشراء الفساد واشكال الجريمة الاخرى ، بل وبعض اوجه تمدد الارهاب ايضا ، لاتعود الى تكبيل الدستور ليد رئيس الحكومة عن الاصلاح ، فقد نشأ اخطرها عن تجاوز الحدود الدستورية للصلاحيات ، وهنا لابد من التأكيد على نقطة في غاية الاهمية وهي ان الدستور ، بوضعه الحالي ، ورغم الملاحظات عليه ، انما هو قادر على استيعاب جميع الاصلاحات المنشودة بين دفتيه ، وان احتجاج رئيس الحكومة او غيره بنقص الصلاحيات كمبرر لخرق الدستور او سحب الوظائف من السلطات الاخرى لتحقيق الاصلاح لايعدو ان يكون خطأ جسيما لجهة ان تحقيق الاصلاح في موضع معين لايبرر الإفساد في موضع اخر .
ان الجماهير المنتفضة على التداعيات المدمرة لسياسات الحكومات السابقة ، وفي دعمها للاصلاح ، لاتمنح العبادي او غيره تفويضا مفتوحا لخرق الدستور او تمثيل اصلاحات شكلية لإمتصاص نقمتها ، وعلى العبادي نفسه ان يكون مخلصا لعملية الاصلاح وصادقا مع شعبه وان يستحضر دائما ما آل اليه مصير آخرين ، ممن حظوا بدعم شعبي اكبر قبل انتكاس ثقة الجماهير بهم ، وحري بشعبنا الكريم ونخبه الواعية محاذرة الوقوع في الاخطاء السابقة من الدعم الإنفعالي المتسرع و اللامحدود للشخوص والاحزاب ،  والذي انتج مرارا الشمولية والدكتاتورية ، بان يكون الولاء لمصالح الامة وقضاياها ، والتعبير عن ذلك باحترام ، الدستور اولا كوثيقة حامية للجميع ، والمؤسسات كضامنة لمصالحهم ، والتمييز بين الوطنيين والطائفيين ، وبين الفاسدين والشرفاء ، ومجانبة الانسياق وراء نزعة الانتقام والاجتثاث والتخريب المدمرة والتي اثبتت انها لاتولد سوى الفوضى والخراب والاحقاد .
نعم لجميع صلاحيات السيد العبادي الدستورية .. ولا ﻻي تفويض له او لغيره .

أحدث المقالات