-1-
الإسراف هو الافراط وتجاوز الحدّ …
واذا كان السَرَفُ في انفاق المال الشخصي محظوراً ومنهيّاً عنه ، فكيف بالسرف في ” المال العام” ؟
إنّ الأديان والقوانين والقيم الاخلاقية الرفيعة ، لا تبيح الإسراف بكلّ صوره وألوانِهِ .
-2-
وجاء في الأقوال المأثورة :
” لا خَيْرَ في السَرَف ولا سَرَفَ في الخَير “
ومن الواضح :
انّ الإسراف تبديدٌ للمال وتضييعٌ له ، وبالتالي فانه يحول دون استثماره واستخدامه في الموارد التي تعود على الفرد والمجتمع بالمنافع والفوائد.
وحرمانُ المجتمع من المشاريع الحيوية، الكفيلة باشباع حاجاته الضرورية، مسألةٌ لا يتنازع اثنان، في أنها مرفوضة ومرجوحة .. بكل المعايير والموازين .
-3-
وتشتّد الحاجة الى ” الانضباط ” في انفاق الأموال ، حين تشحّ الموارد ، وتتعدد الحاجات الضرورية التي لا تحتمل التأجيل ..،
والعراق اليوم يخوض حربه المقدسة الضارية على الارهاب والتكفيريين الاوغاد من ” داعش ” وحلفائهم من جهة ،
وينوء بأعباء الملايين من المهجرين والنازحين، الذين يواجهون فصل الشتاء القاسي وهم أحوج ما يكونون للسكن اللائق والغذاء والدواء
فضلاً عن الثياب والفراش والأغطية وباقي الحاجات الضرورية …من جهة أخرى .
والخزانة العامة خاوية على عروشها … وأسعار النفط تُواصِلُ تذبذبها بنحو مُخِيف ..
وكلُّ ذلك يدعو الى حذف ” الكماليات” والاقتصار على ” الضروريات” من منطلق شرعي ، ووطنيّ ، واقتصادي ، وسياسي ، وانساني …
-4-
إنّ الشعب العراقي كان شديدَ الاستياء من الطاغية المقبور الذي انشغل ببناء القصور الفخمة، ابّان الحصار الظالم على العراقيين، غير مكترثٍ ولا مبالٍ بعذابات أهلنا ومعاناتهم الرهيبة .
ولا ينبغي للمسؤولين اليوم أنْ يقعوا في ما وقع فيه ذلك الصنم …!!
-5-
واذا صحّ ان بعض المسؤولين طالب بالمليارات من الدنانير لتأثيث مكتَبِهِ فانها احدى الكوارث الجديدة، التي تضاف الى ماعاناه العراقيون من كوارث …
واذا صحّ انّ شراء السيارات الضخمة الفارهة بمئات الملايين من الدنانير لم ينقطع حتى الآن، فهذه كارثة أخرى .
كيف غاب الوعي والتقدير السليم للموقف ؟
وأين هو الحس الوطني ؟
وكيف تُقدّمُ الفخفخة والمظاهر البراقة، على حساب الجياع والبائسين والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ؟
ثم اين هي روح المواساة الصادقة لهم …
اننا نميل الى أنّ هناك (مَقْلَبَاً) ، أُعدّ مِنْ قِبَل بعض الأبالسة المحيطين بأولئك الذين ارتضوا الاسراف في المال العام لايقاعهم في الفخّ ..!!
والاّ فلن يقدم على ذلك سياسي يطمح بان يكون مرموقَ المكانة عند المواطنين ….
-6-
ولعلّ من المفيد ان نختم المقالة بما قاله أحد الوعاظ ” لهارون” وهو واقف على الصفا في موسم الحج .
قال الواعظ لهارون :
أتنظر كَمْ حول الكعبة من الناس ؟
قال هارون :
كثير
قال الواعظ :
” كُلٌّ منهم يُسأل يوم القيامة عن خاصة نَفْسِهِ ،
وأنت تُسْأَلُ عنهم كلّهم .
ثم قال له :
يا هارون :
إنّ الرجل ليسرف في ما له فيستحق الحجر عليه ، فكيف بمن يسرف في أموال المسلمين …؟
{ البداية والنهاية لابن كثير /ج10 ص2771 }
انّ من يتسنم أعباء المسؤولية يكون مسؤولاً عن المواطنين .
واين هذه المسؤولية عن الذين يفترشون الأرض ويَلتحفون السماء ، اذا انصبت العناية على تأثيث المكاتب ، واقتناء السيارات ؟!
-7-
انّ الرجل بمواقفه وخدماته للشعب والوطن ، وسيكون عظيما حتى لو كان مكتبُه بسيط الأثاث ..!!
فالعبرة بالجوهر لا بالمظهر .