12 أبريل، 2024 3:15 م
Search
Close this search box.

لا لقمع الإعلام .. ولا لإسكاتنا

Facebook
Twitter
LinkedIn

عُقِدَ يوم أمس الثلاثاء 17 – 9 – 2013 م في قاعة ” فندق الرشيد ” بالمنطقة المُحَصَنَّة الخضراء مؤتمر إتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية , تحت شعار ” وحدة الإعلام العراقي .. لقاء الضمير والمسؤولية ” برعاية دولة رئيس الوزراء , وقد ألقى فيه كلمة . كما ألقى السيد رئيس ما يُسمى ب ” التحالف الوطني ” كلمة هو الآخر سنتطرق إليها .
الشعار يذكرنا بالشعارات السياسية التي كنّا نرفعها أيام المعارضة العراقية , والتي أول مَنْ كان ينقضَّ عليها وينتهك حرمتها ويسيء إليها , هما السيدان جواد المالكي وأبو أحمد الجعفري , انطلاقاً من مبدأ تحالفا عليه وأقسما بكتاب الله الكريم , وهو : إن لم نكن نحن الدعاة قادةً للمشروع , فيجب علينا أن نتآمر عليه ونهدمه , حتى لو كان هذا المشروع يصبُّ في خدمة العراق وشعبه .
ولهذا فإن تاريخ هذه القيادة يشهد على إنها ومَنْ تحالف معها ودخل معها في مشروعها المشبوه والمُخَرِّب , كانت دوماً أداةً ومعولاً هدّاماً مدمرّاً لكل جهود المعارضة العراقية في توحيد صفوفها .. حتى نصل إلى مرحلة إسقاط صدّام ونظامه , حيث أرادت إبقاءه في الحكم , كي يستمرّ في تدمير العراق وإذلال شعبه وقتل أبنائه , بذريعة إننا سنسقطه من خلال العصيان المدني , بعد فشل مشروع رفع السلاح بوجهه , غير آبهين بكل الدماء والتضحيات التي قدَّمها شعبنا العراقي !
ليس هذا المقال مخصصاً للحديث عن تاريخ سياسي , إنما يتخذ من هذا التاريخ المخزي والمشين مدخلاً للحديث عن الإعلام . حيث كان الأولى بهذا المؤتمر المُصَنَّع أن يرفع شعار ” تنوّع الإعلام العراقي .. اختبار للضمير والمسؤولية ” بيد أن القرار السياسي للمتسلِّط والمتحكم بالدولة أملى على الإعلام رفع الشعار أعلاه , الذي لن يتقيّد به ولا يحترمه أحد .
تلخصت كلمة دولة رئيس الوزراء , بعد قراره الديكتاتوري .. لا بل البربري باقتحام قناة ” البغدادية ” ومصادرة أجهزتها وإغلاق ستوديوهاتها , ومنع العاملين فيها من ممارسة عملهم , من دون أي أمر , أو قرار قضائي . حيث قال وسط عدد من بسيط من الإعلاميين , وأمام محطات تُسَبِّحُ بحمده وتمجده هو , أو بعض أركان حكومته ليل نهار , ما معناه : إن المحطات المعادية لا همَّ لها سوى التركيز على السلبيات , من دون أي ذكر للإيجابيات , وكأن لا إيجابيات في هذا البلد .
وقد أردف رئيس ما يسمى ب ” التحالف الوطني ” هذه الكلمة بأخرى , مفادها : إن الإعلام العربي المعادي للعراق ولعمليته السياسية , يتحدث عن الديمقراطية , بينما هم يمنعون المرأة من السياقة . وإن أحدهم يملك مائة مليار دولاراً أميركياً .
عجيب .. لأول مرة في حياتنا نعرف بأن الأخطاء والسلبيات لدى الآخرين , تبرر لنا ارتكاب الأخطاء وعمل السلبيات في بلدنا !
لأول مرة في حياتنا نعرف بأن علينا أن نرسم للآخرين سياستهم الإعلامية اتجاه بلدنا العراق ! وبأية طريقة ؟ بالإملاء والفرض , وليس من خلال أفعالنا وإنجازاتنا , كي نجبرهم على ذكرها , أو التغاضي عنها في أقل تقدير !
قبل أن نفنّد هذا الكلام الكاذب , نود أن نلفت عناية المُتَحَدثَيْن إلى أن لا أحد في هذا الكون يستطيع أن يمنع الآخرين من الحديث أو الإدلاء برأيه , ولا إجباره على قول , أو تبني ما لا يودُّ تبنيه , أو الحديث عنه .. لا أنتما , ولا غيركما , ولا مَنْ جاء بكما لحكم العراق , ولا مَنْ يرعاكما .. لا بل ولا حتى صدّام حسين أيام كان رئيساً للعراق !
كلكم يتذكّر حجم الأموال والجهود التي بذلها وصرفها صدّام , من أجل فرض حالة التعتيم وإشاعة الرأي الواحد والمصادرة للرأي الآخر , التي طبقها في العراق طوال سنوات حكمه المقيتة .. لكنه لم ينجح مائة بالمائة , واستطعنا نحن اختراقه , لا بل اختراق حتى الإعلام الذي كان يطبِّل له ويزمِّر له في الخارج ! لقد استطعنا إيصال صوتنا لنصف الشعب العراقي , وحين نقول النصف فإننا نعني النسبة على وجه الدقة والتحديد , من دون ذكر التفصيل في ذلك .
لا يوجد مليادير عربي يمتلك مائة مليار من الدولارات , فهذا محض تهويل . ومَنْ يزعم ذلك فإنه يدلل على ضحالة معلوماتية من جهة , وعلى هيام وعشق للمبالغة وتبني الأرقام الفلكيّة في الإطروحات والمزاعم من جهة أخرى .
ثم إن البلد الذي تمنع فيه المرأة من السياقة , فيه سوّاق هنود وخادمات فلبينيات , وفيه مدينتان صناعيتان كبيرتان , وفيه موانئ عملاقة , وفيه أسطول جوي مدني وعسكري لا نظير له في المنطقة , وفيه بناء وعمارات تناطح أستار الكعبة ! وفيه أنفاق وطرق سريعة , وفيه قصور وفلل وسيارات فارهة , وفيه أمان واستقرار أمني وإقتصادي .. هذه كلها غير موجودة في بلدنا العراق ولله الحمد والمِنَّة .
نعم في ذاك البلد لحية متدلية للخصية , ودشداشة رجالية ” كيموني ” للركبة , ومسواك ينظِّف أنياباً سوداء ناهشة , لا ينفع معها ” سنسوداين ” لأنها تضرب ” إمفطَّح ” أربعة وعشرين ساعة ! ولكن هذه غير منتشرة عندنا في بلدنا , وإن وُجِدَتْ , فهي على نطاق ضيِّق .
وأما المطالبة بالحديث عن الإيجابيات , فعن أيّة إيجابيات يجب أن تتحدث عنها الفضائيات ؟ عن ” كومشن ” الصفقة الروسية ؟ أم عقود تزيين شارع مطار بغداد ؟ أم تكلفة عقد مؤتمر القمة العربيّة ؟ أم بغداد عاصمة الثقافة ؟ أم عقود الإستثمار والإستيراد والتأهيل والإنجاز .. تلك التي تقوم بها وتعقدها الوزارات قاطبة وبدون استثناء ؟
عن أيّة إيجابيات ؟ عن الفساد الإداري المتفشي بالدولة ؟ أم الفساد المالي الذي يعصف بكل مفاصلها ؟ عن تزوير الشهادات ؟ أم عن الإمتيازات والرواتب والنثريات التي تتمتع بها الرئاسات والوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة وسائر ” الحِثَلَّك ” من أبناء سقط المتاع ؟
عن أيّة إيجابيات ؟ نستطيع الآن أن نعدد من السلبيات ما هو أضعاف ما ذكرنا , وما هو أشد وأنكى , لكننا على يقين من أن القارئ الكريم يعرفها كلها , وربما سيسأم من تكرارها وسيزداد غمه وهمه . لهذا نعرض عنها لنقول :
عن الإيجابيات التي لا وجود لها . ألا يكفيكم ما يذكره يوميّاً كل إعلامكم – كسلطة – في محطاتكم الفضائية الخاصة ومحطات الدولة العراقية ؟ لقد كان أحدكم يتحسّرُ يوماً أن يملك ” كاميرة مكّة ” تلك الحمراء اللون , التي كان آباؤنا وأجدادنا يأتوننا بها هدية من مكة المكرمة , نرى بها صور البيت الحرام ونحن أطفالاً صغارا !
واليوم أصبحتم تملكون المحطات الخاصة , وتسرقون أموال العراق وشعبه من أجل تمويلها , وتسديد رواتب العاملين بها . ويا ليت إن هذه المحطات التافهة الوضيعة تؤدي أداءً إعلامياً راقياً , أو مهنياً محترفا .. يا ليت . بينما هي في حقيقتها , تتجسد كل مهماتها في الترويج لأشخاص لا يستحقون أن يُلقوا في سلال النفايات ..
أي زمن رديء هذا الذي نعيش فيه , بحيث يصبح مَنْ كان منزوياً في قعر حجرة كئيبة مظلمة نتنة , كان يرتعد حتى من نفسه , يصبح نجماً لامعاً في سماء العراق الملبدة بالثأر والتوثب ؟ أي زمن حقير هذا ؟
أي زمن قذر هذا الذي نحن فيه , بحيث يصبح مَنْ كان يحلم أن يسمع صوته المنكر أو يرى شكله القميء شخص آخر , عدا زوجته وإبنه وإبنته , صار يملك الفضاء والسلطة والرأي والتحليل والسياسة والمال والنفوذ ؟ لا .. ولا يكتفي بكل هذا , بل يريد من الآخرين ان يشتغلوا عنده خدماً وأتباعاً !
لعمري وعمر الله لولا الحياء والإعتبارات الأخرى التي تمنعنا أحياناً من قول كل ما عندنا , لألقينا حبلها على غاربها , ولجعلنا من هؤلاء المخانيث أضحوكة العصر والزمان .. ولكن !
إنهم يريدون مصادرة الإعلام وقمعه . إنهم يريدون إسكاتنا , كي نكون شهود زور على التاريخ .. قَسَماً بربِّ العراق وشعبه وترابه ورافديه ونخيله .. قَسَماً بدماء الشهداء , وبالقبور التي اكتنفت الأجداث ولفَّت الأجساد الطاهرة .. لن يحصل هذا أبدا .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب