23 ديسمبر، 2024 7:27 ص

لا فدرالية بدون صلاحيات

لا فدرالية بدون صلاحيات

كتبت في مقالي (هل الفدرالية تؤدي الى التقسيم؟) ان هناك من العراقيين من يعترض على الفدرالية بحجج كثيرة، وقد تناولت في ذاك المقال التخوف من التقسيم، اما في هذا المقال فسيكون عن اعتراضات آخرى، مثل:
الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها الإقليم.
دستور وعلم وشعار الإقليم.
التمثيل الخارجي للإقليم.
سأرد، بأختصار، عن هذه الاعتراضات، مستعيناً بالتجارب الفدرالية في العالم، لنطلع جميعاً على كيفية تصرف الدول الاتحادية مع هذه الموضوعات.
أقول: لا فدرالية بدون صلاحيات، لان الغاية من الفدرالية ان يحكم شعب الإقليم نفسه بنفسه، وبدون صلاحيات لا يستطيع فعل ذلك أكيداً، بل ان سلب الصلاحيات من الإقليم قد يؤدي الى شعور شعبه بالغبن والظلم ويحاول الانفصال عن دولته الأم كما أشرت في مقالي أعلاه.
وسأذكر هنا بعض الأمثلة:
توجد دساتير وحكومات وبرلمانات في أقاليم سويسرا، النمسا، المانيا، البرازيل، المكسيك، فنزويلا، استراليا، ماليزيا، اثيوبيا، جنوب افريقيا، وغيرها، وتمارس هذه الحكومات، بموجب الدساتير الاتحادية، صلاحيات كثيرة ومتنوعة في مجالات التعليم، الصحة، الأمن، الشؤون الاجتماعية، الطرق، البيئة، المالية، بل اغلبها تحصل أموال أكثر مما تحصل عليه حكوماتها الاتحادية.
لكن رغم هذه الحقوق الكبيرة لكن بعض الأقاليم تتخلى عن بعضها أو تحصل على أكثر منها بالاتفاق مع الحكومة الفدرالية، فالولايات الهندية، مثلاً، لم تكتب دساتير خاصة بها وأكتفت بالدستور الاتحادي ولكن ولاية (Jammu and Kashmir) كتبت لنفسها دستوراً، وكذلك ولايات دولة جنوب افريقيا ما عدا ولاية (Western Cape) التي لديها دستور.
بل ان (8) من أقاليم الارجنتين اختارت ان يكون لها برلمان يتكون من مجلس شيوخ ومجلس نواب بينما (15) إقليم قررت ان يكون لها مجلس نواب فقط، وكذلك في استراليا اختارت (5) ولايات ان يكون لها مجلسين للشيوخ والنواب بينما اختارت (3) ولايات ان يكون لها مجلس نواب فقط.
وفي ماليزيا يتم تبادل منصب رئيس الدولة بين ملوك الولايات كل (5) سنوات، وكذلك الحال في اتحاد جزر القُمر اذ تتولى لكل جزيرة من الجزر الثلاث المكونة للاتحاد رئاسة الدولة بشكل دوري.
كما ان بعض الدول الفدرالية أعطت للأقاليم صلاحية ابرام معاهدات دولية ولو ببعض القيود، فيحق للكانتونات السويسرية ابرام معاهدات مع الدول الأجنبية في المسائل الاقتصادية والحدودية والامنية، وفي المانيا يحق للولايات ابرام معاهدات تتعلق بالاختصاص التشريعي لها، بل ان الحكومة الاتحادية ملزمة باستشارة الولايات عندما تعقد معاهدة تتعلق باختصاصها الحصري، وفي دولة الامارات يحق لكل امارة ابرام اتفاقيات مع الدول المجاورة لها.
والأكثر من ذلك ان المقاطعات الكندية اعترضت عندما وقعت الحكومة الاتحادية على اتفاقيات خاصة بمنظمة العمل الدولية لان الدستور الكندي منحها صلاحيات تتعلق بالملكية والحقوق المدنية، كما اعترضت عندما وقعت الحكومة بروتوكول كيوتو (Kyoto Protocol) الخاص بالتغير المناخي عام (2002).
وفي الارجنتين يحق للمقاطعات توقيع اتفاقيات دولية في مجالات التجارة، ادارة الموارد الطبيعية كالأنهار والنفط والغاز، المشاريع الكهربائية، الانظمة البيئية، ومشاريع البنية التحتية كبناء الطرق التي تربط بين المقاطعة والدول المجاورة لها والهجرة والامن وصيد الأسماك.
بل ان الدستور النمساوي الزم الحكومة الاتحادية باستشارة المقاطعات قبل توقيع معاهدات تؤثر عليها وفي نفس الوقت الزم الدولة بإيفاء الالتزامات الناجمة عن المعاهدات الدولية التي توقعها المقاطعات ولم تستطع الالتزام بها، وهذا الامر موجود في سويسرا ايضاً.
اما ما يخص موضوع علم وشعار الأقاليم، فإن الدساتير الاتحادية في الدول الفدرالية قد منحت هذه الحقوق لأقاليمها بحيث تكون لها اعلام وشعارات خاصة بها مستمدة من واقعها وتأريخها ورموزها لتمييزها عن غيرها، وهذا الامر موجود في كل الفدراليات في العالم، انه تميز وتمييز للإقليم وليس دولة مصغرة.
وفيما خص الاعتراض حول التمثيل الخارجي للأقاليم فهو أمر طبيعي أيضاً في الكثير من الدول الاتحادية، فمقاطعة (Quebec) الكندية له مكاتب تمثيلية في (25) دولة تديرها وزارة علاقات دولية خاصة بالمقاطعة، وكذلك إقليم (Alberta)، وفي أمريكا أفتتحت الولايات (180) مكتباً يمثلها خارج البلاد تمثل مصالحها، وكذلك في المانيا يحق للمقاطعات فتح مكاتب خارجية لها، واقامت الكانتونات السويسرية التي لها حدود مشتركة مع دول اجنبية علاقات مع هذه الدول في مجالات الثقافة والطاقة والسياحة وغيرها، وفي الهند اقامت ولاية (Jammu and Kashmir) علاقات مع جارتها باكستان، وولاية (Sikkim) مع الصين، وولاية (West Bengal) مع مجموعة خليج البنغال الاقتصادية، وارسلت حكومة إقليم (Basque) الاسباني وفد يمثلها لدى الاتحاد الاوربي في بروكسل.
بالنهاية: اعتقد اننا نعترض ونستغرب من هذه الأمور لان بلدنا جديد على النظام الاتحادي، لكن لنعمل معاً على إنضاج تجربتنا ولنجعل فدراليتنا مثل فدراليات العالم.