يوم أمس عرضت قناة الشرقية برنامجا عن محافظة الديوانية، ومع أن هذه القناة معروفة بتوجهاتها وميولها تجاه العملية السياسية في العراق، ولكن من باب _ نحن لاننظر الى من قال؛ ولكن ننظر الى من قال _ أقول عرضت أكثر من مأساة وكارثة أنسانية في البرنامج، والحقيقة التي أنا على يقين من أن ماعرض من كوارث هو ليس حالات خاصة أو شاذة أو فردية، وإنما هي حالة عامة تشمل أغلب محافظات العراق، وخاصة الجنوبية والوسطى منها. كونها الأكثر فقرا وتضررا ومأساة.
لاأريد أن أسلط الضوء على كارثة مجاري الديوانية وموت الناس من الشباب والأطفال فيها بسبب سقوطهم في الحفر ؟ ولا أريد أن أكتب عن المشروع المتلكئ من مايقرب من عقد من الزمن، ولا أريد أن أكتب عن مايقرب من ( 250 ) مليار دينار ذهبت مع الريح، وبالتأكيد صفقات الفساد، ومع أن ذلك مهم جدا ويستحق أن يكتب عنه، ويبرز في الأعلام عن حجم الفساد الذي ينخر الدولة العراقية، منذ سقوط الصنم وحتى اللحظة.
ولكني أريد أن أكتب عن الخزي الذي شعرت به، وأنا أشاهد عشرات _ أن لم يكن مئات _ من العوائل وهي تعيش في وسط أكوام من النفايات والدخان، في بيوت وظروف ووضع لاأتصور أن الإنسان يمكن أن يصدق بوجدها حتى يراها بأم عينيه في بلد النفط والثروات والفراتين. بيوت لاتتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة الكريمة. لاماء ولا كهرباء ولا خدمات ولا أي شيء يمكن أن يشعرك بوجود دولة وحكومة من مسؤوليتها أن تنظر لهؤلاء وترحمهم وعوائلهم وأطفالهم من المأساة والكارثة التي يعيشونها، هؤلاء الأطفال والنساء من الذين يعيشون في وسط هذه الأجواء؛ كيف ستكون حياتهم؟ صحتهم؟ ثقافتهم؟ مستقبلهم؟.
لاأدري هل جفت ضمائر المسؤولين عن هذه الكوارث التي تحصل في العراق؟ هل يرضى أي مسؤول أن تعيش عائلته أو أقربائه في وسط هذه الظروف القاتلة والمأساوية ومضافا لها الفقر المدقع والبيئة الملوثة؟.
لقد شعرت فعلا بالخزي والمسؤولية كوني أحد الذين ( لطخوا ) أصبعهم بحبر العار، والذي أوصل السراق الى نهب خيرات العراق، وعلى حساب جوع وفقر ومرض الملايين في بلاد الرافدين. فكيف بمن هو ( راعي ومسؤول عن رعيته ) أمام الله والقانون والأخلاق!.
أقول لكل مسؤول في العراق، أياك ثم أياك أن تتحدث عن ( علي بن أبي طالب ) وعدالته، أو عن ( الحسين بن علي ) وثورته، قبل أن تطهروا أفواهكم وبطونكم وأيديكم من المال الحرام الذي سرقتموه من خزائن العراق وموازناته الكبيرة، وقبل أن تصحوا من غفلتكم عن شعبكم وفقراءه وجياعه. أقول لك أيها المسؤول أن الله تعالى ( لن يخدع في جنته ) ولن ينفعكم لاصلاة ولا صيام ولا حج، مادامتم تمتصون دماء الفقراء وحقوقهم وأموالهم في خيرات بلدهم. وهل من العدل أن تكون حصة المحافظات المنتجة للنفط في الجنوب والوسط، أمراض السرطان والدخان والكوارث البيئية، وحصة غيرهم أموال نفطهم مع أحتفاظه بموارد نفطه وغيرها من الموارد والضرائب؟ هل هذا هو العدل الذي جئتونا به؟.
كان ( أبو ذر الغفاري ) رضوان الله تعالى عليه، يردد هذه الأية الكريمة أمام الطغاة وسراق المال العام:
قال الله تعالى : { و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جنهم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون }