لا عتب على عدوة الشعوب ، فأعداء الثورة ، كل ثورة ، هم حكامنا (إمتداد الخلافة) ، هكذا خلعوا القدسية على كل مجرم وباغي وسفاح ، ملأوها بالخطوط الحمر ، نستطيع أن نستنتج ذلك من تاريخنا الإسلاموي ولا أقول تاريخنا الإسلامي ، فلكل زمان وعّاظ سلاطينه ، لم تسلم كل الثورات من أقلامهم المسمومة ، حتى فجر الثورات في تراثنا ، كثورة الحسين التي إنبرى لها وعّاظنا فقالوا ، الحسين قُتِلَ بسيف جدّه ! ، كيف نلوم المعتدين ولدينا كتب (الصحاح) ، صحيحة في كل شيء ، حتى لو كانت مسيئة لنبينا وأهل بيته ، ليكرس حكامنا دكتاتورياتهم ويبرروا جرائمهم المروّعة ، يبحثون عن أية قضية ليتاجروا بها ، وأهمها قضية فلسطين ، وأخيرا إنتبه البعض وتجرأ ، أن معاوية كان باغيا بعد قرون من الترحم والترضّي عليه وعلى أبيه ، بل وعلى إبنه ، هذا الذي إجتهد في قتل الحسين فأخطأ فله أجر ، الحمد لله لم يقولوا إجتهد فأصاب فله أجران ! ، أدخلنا (أبي طالب) النار ، ذلك الذي حمى رسالة محمد في أحلك الظروف ، وجعلنا من (ابي سفيان) قدّيسا ! ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لا ادري كيف نقرأ التاريخ ! .
هكذا زُرِعَتْ فينا الثقافة الإنهزامية ، فالكثير من الناس يلومون حماس على فعلتها في 7 تشرين التي لم تكن وليدة ساعتها ، ومنهم إعلاميون للأسف ، لكنهم لم يتعبوا أنفسهم لإستقراء الحالة والعودة 17 سنة للوراء ، من الفصل العنصري والحصار والتقييد ومنع الصلاة وبناء المستوطنات وإعتداء المستوطنين المسلحين ، ويبررون ذلك على أنه مصادرة للقرار الفلسطيني ! ، ومن هو صاحب القرار ؟ محمود عباس ؟ ، وتسألون لماذا لا زلنا متخلفين عن الركب العالمي ، ذلك الذي يدعو إلى المثلية وتمرد الأبناء ، ذلك الذي يحارب كل من لديه بذرة إيمان ، ذلك الذي جعل من المرأة بضاعة مزجاة فتاجروا بجسدها ، ذلك الذي منع إرتداء كل الرموزالدينية ، لكنهم يتحاشون الطاقية اليهودية ، فكل رؤساء الغرب ، يرتدونها عند زيارتهم للكيان الصهيوني ، عند تقديمهم فروض الطاعة والولاء ! ، يحمون مَن يحرق المصحف ، لكنهم يمنعون رفع الأعلام الفلسطينية ، إلا إنها رُفِعَت رغم أنوفهم ، والأمم المتحدة معترفة بتسمية (الأراضي المحتلة ) ، على الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ، لكن ليس لديها الإرادة في إنهاء الإحتلال ، علما أن من مقررات الأمم المتحدة ، أن لكل دولة محتلة الحق في حمل السلاح بوجه الغزاة !.
إذا كانت حرب روسيا-أوكرانيا قد أسقطت ورقة التوت عن المجتمع الغربي ، وأظهرت عنصريتهم وكيلهم بمكيالين ، فإن حرب (غزة) قد أسقطت ما تبقى من أوراق التوت تلك ، فتعرّوا أمام العالم ، فالسافل الناطق بلسان البيت الأسود كاد أن يبكي في إستعراض هوليوودي وهو يذكر “فظائع” الروس في الحرب لأنهم يقتلون النساء (الحوامل) ، لكنه يبرر مفارم اللحم الفلسطيني اليومية من أهل (غزة) ! ، من أن هذه حرب ، ولكل حرب ثمن ، ما أرخصه بنظر هذا السافل ! ، لم تهزه مشاهد عشرات الجثث كلهم من المدنيين ونصفهم أطفال بمشاهد مروّعة لا يقبل بها إنسان عاقل ، إنها المعايير المزدوجة ثانية ، فالكيان الصهيوني يجاهر بعدم نيته إيقاف الإستيطان ، متحديا بذلك العشرات من قرارات الأمم المتحدة ، لكن قرارا واحدا كان كفيل بمسح بلد بأكمله أسمه العراق ! ، خرجوا على كل الأعراف ، لم تسلم منهم مدرسة أو مستشفى أو جامع أو حتى سيارات الإسعاف .
دولٌ تقع في الجانب الآخر من الكرة الأرضية قطعت علاقاتها بهذا الكيان المجرم ، لأنها دول حرة لا تصدّق ما يجري في القطاع المحتل ، وسحبت سفرائها منه ، ألا تستحون ، ألا تخجلون ؟ ، كان أضعف الإيمان ، أن تحذوا دول التطبيع حذوهم ، (تتحرّك دكّة غسل الموتى ، أما أنتم لا تهتز لكم قصبة ، فأي قرون أنتم) ، قالها (مظفر النواب) منذ أكثر من نصف قرن .
بقينا نتغنى بإنجازات العالم الغربي ، منبهرون بإعلان حقوق الإنسان ، فأتضح بعد فوات الأوان أنه على مقاس إنسانهم فقط ، إبتعدنا عن تراثنا الزاخر بأدبيات حقوق الإنسان ، لم نقرأ عهد علي إبن أبي طالب إلى مالك الأشتر قبل أن “تتبلور” مسيرة حقوق الإنسان المزعومة والمستوردة بقرون عديدة ، والتي داسها المجتمع الغربي بحذائه قبل غيره ، إذ أشار إلى ذلك كاتبنا الكبير ، المسيحي (جورج جورداق) في كتابه (صوت العدالة الإنسانية) .
حكّامنا الذين يختبئون خلف ترسانة أوجدوها لقمع شعوبهم ، وبمباركة بل وبتوجيه صانعو تلك الترسانة ، متبعين مبدأ (اليد التي تخافها، قبّلها وأدعُ لها بالكسر) ، لكنهم لا يدعون حتى على تلك اليد ، فلو كُسِرَت ، كُسِرَتْ قوائم كراسيهم ! .
لا أجد خيرا مما قاله شاعرنا مظفّر النواب (بوصلة لا تشير إلى القدس ، مشبوهة) .