23 ديسمبر، 2024 3:15 ص

لا طرق مسدودة في تظاهرات العراقيين

لا طرق مسدودة في تظاهرات العراقيين

التظاهرات تتوسع يوما بعد يوم وهي تزداد انتشارا كالحريق ومن يتوهم بإمكانية إخمادها او قمعها في ساعات بالقوة او تسكينها بوعود غير منتجة فانه واهم بالتمام والكمال لأنها ستعود بأكثر من حدودها وشمولها بحجوم بعد أيام او أسابيع او شهور إن لم توضع حلولا جوهرية تقنع المعترضين من العراقيين ، فبعد أن فشلت محاولات التخوين وإسناد تمويل التظاهرات ومرجعيتها والتحريض عليها إلى ما أشيع من توجهات او دول وجهات ، ولشدتها وجديتها وتحولها إلى عرس شعبي يمتد من النهار إلى الليل وتشارك فيها اغلب فئات الشعب ، راح العقلاء يبحثون عن أسبابها ودوافعها ومطالبها واغلبهم ( من المنصفين ) فوجدوا إن غالبية المطالب مشروعة وتمثل الحد الأدنى من الحقوق وهي اقرب للعفوية لأنها على الأغلب غير متبناة ولاتقاد بطريقة منظمة والسيطرة والتوجيه فيها يخضع لاجتهادات الميدان ، بدليل استمرارها رغم الاتهامات ا لها والممارسات باستخدام القنص والقنابل المسيلة للدموع والضرب المبرح والماء الحار والاعتقال والتغييب والعديد من الممارسات التي أدت لسقوط أكثر من 200 شهيد ومئات الجرحى والمصابين ، وهي مستمرة بفقر إمكانياتها ونموها رغم قطع الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي والاعتداء على الفضائيات التي اتهموها بأنها تتناول أخبارها وتروج لها بطرق ظاهرة او مبطنة ، وفي أيامها الأولى حرمت وسائل الإعلام من نصب وسائل النقل الخبري ( S.N.G ) كما فرض حظر التجوال لأيام كاملة او لساعات في بغداد وبعض المحافظات ، وتحول مسوغ قيامها من تحقيق الأمور الحياتية لتوفير لقمة العيش إلى أكثر من ذلك فالشعارات تقول إنهم نزلوا للبحث عن وطن فالوطن بلا هوية وتقاد اغلب قراراته من دول أجنبية لا تريد الخير للبلاد فيستهدفون أبنائهم وقوتهم الضاربة ومن يساند المعتدين هم بعض من العراقيين الذين سلموا ( شواربهم ولحاياهم ) للأعداء فتحولوا إلى ممثلين لمن يأمرهم في المحافل العربية والإسلامية والدولية ، ومنهم من يتفنن و ( يبدع ) في الدفاع عن من يؤذي العراق بشكل مسفه يطرح العديد من التساؤلات ، منها هل يمكن أن يكون الإنسان في هذا الدرك المنخفض من اجل إرضاء الغير الرديء ليحصل على حفنة من الدولارات او منصب او موقع يتيح له ممارسة الفساد والشذوذ لحد الدناءة بدون حساب بما في ذلك محاربة المخلصين والأكفاء والمضحين وإبقاء العراق في مستويات متدنية لدرجة انه يتوطن المراتب الدنيا في اغلب التسلسلات في العلم والثقافة والاقتصاد والاجتماع والأمن والكرامة والرفاهية وغيرها من المواضيع التي تنشر علنا ويطلع عليها القاصي والداني في أرجاء المعمورة ، والمشكلة الأكبر إن التدهور والسوء والانخفاض والتدني يزداد يوما بعد يوم ويكبر مثل كرة الثلج ولا رجاء في الإصلاح او الشفاء او العودة للخلف ( على الأقل ) بخطوات ، فكل شيء معطل ويعتمد على مبيعات النفط والبلد مرهونا بعدد من ( القادة ) ممن يتحكمون بواقع ومستقبل العراق ويتوارثون السلطة بطريقة خالية من الرحمة التي تكاد تغادر قلوبهم وكأنهم في كهوف تحجب عنهم النور والضياء رغم إنهم يعيشون برفاهية وقصور لم يكدوا بها يوما بل قدمها لهم الأجنبي من خيرات الله للعراق وهي تشكل سلبا ونهبا واعتداءا سافرا على حقوق الآخرين ، والأنكى من ذلك إنهم لم يحصلوا عليها من جهد او إنهم بنوها من أموال السحت والسرقات وإنما تلاقفوها من النظام البائد ولم يضيفوا عليها طابوقة واحدة لاتهم وجدوا للتخريب وليس للبناء ، وتحير الكلمات في وصفهم لأنهم خونة وسارقين وفاسدين وكفرة وظالمين وبالإمكان ذكر ابلغ كلمات الوصف المتدني بحقهم ولكنها لا تشفي غليل من مات او مرض او فقر او سجن او سقط بسببهم حتى حولوا البلاد إلى أرقام قياسية وغير معهودة في معدلات الفقر والحرمان والأمية والأرملة والعنوسة والانتحار والطلاق والجريمة والزنا بأشكال متعددة والمراضة والعوق والتسول و احتقار الكفاءات والحزن والتعاسة واليأس والهجرة والنزوح والإعدام وكثافة السجون وعبور الحد الأقصى لمستويات الحرمان بدرجات ، وتحول الكثير من شعبنا الذي ورث الحضارة والتقدم إلى باحث عن لقمة العيش والأمن و ويسوده الخوف والتردد ومنهم عديدا من الناس يعيشون في أكوام القمامة والتجاوز والعشوائيات لأنها لا يملكون في بلدهم لحدا يأويهم في الموت .
إن المتظاهرين ( الحقيقيون ) هم من فئات المجتمع كافة وبالذات الذين يعانون ويدركون طعم ومعنى الحرمان والظلم يؤكدون حرصهم على سلامة وامن وحاضر ومستقبل العراق ، وكما تابع الكثير أحاديثهم عبر الفضائيات فإنهم لم يخرجوا للتظاهر نزهة او لقضاء أوقات الفراغ او لالتقاط الصور التذكارية ، وإنما خرجوا للبحث عن وطنهم بعدما تشعروا منهم إن الوطن في خطر أكيد من ضياع هويته وملامحه ، وفي خروجهم أدركوا ما ينتظرهم من مصير مجهول فالكثير منهم من أتباع أهل البيت الأطهار وهم على خطاهم سائرون لذا لم تنقطع عنهم ترديد عبارات (هيهات منا الذلة ) ، ولكي يكون لخروجهم وتضحياتهم معنى فقد تجردوا عن ذاتهم ونسوا همومهم الشخصية ليهتموا بهموم الشعب والوطن فتحولت مطالبهم لإنقاذ العراق بإيجاد قيادات قادرة ومؤمنة بالإصلاح لتعويض ما فات وإعادة ما سرق ومحاكمة الفاسدون والمفسدين بالقانون ومن خلال القضاء ، فهم يطالبون بتنظيف العملية الدستورية وهم حريصون على بناء العراق وليس المس به او تخريبه بأي شكل من الإشكال كما إنهم ليسوا من هواة الرجوع للماضي بظلمه وسيئاته لأنهم أبصروا التغيير وليست لهم ذكريات وعقد ملتصقة مع النظام السابق من حيث الزمان والأحداث ، ولان هذه الدعوات هي هاجس كل عراقي شريف فقد تضامن معهم الكثير فاصحبوا شركاء لرجال الأمن في المحافظة على النظام ومساهمين مع الدوائر الخدمية في تقديم الإسعافات الأولية والنظافة وحماية الممتلكات والتحدث بلغة فصيحة تغمرها المواطنة واحترام الرأي الآخر ، وفي بغداد تحولت ساحة التحرير إلى مزار للعراقيين ومن لم يستطع أن يصلها بسبب قطع الطرق المؤدية لها فقد باتت العوائل تجوب الشوارع في كل الساعات وحتى أثناء سريان حظر التجوال وهم يحيون المتظاهرين ويرفعون الأعلام الوطنية وينشدون الأغاني الحماسية تأييدا للمتظاهرين وتحديا للظلم والطغيان ، ولم تسجل حوادث لما يسموهم المندسين والمغرضين سوى لحالات محدودة تمت السيطرة على اغلبها بالتعاون بين المتظاهرين وقوات حفظ النظام ، ورغم كل هذا الالتزام الذي هدفه تفويت الفرصة في إيجاد مسوغ لمزيد من القتل وسفك الدماء لم تنقطع القنابل المسيلة للدموع والاعتداءات التي تنفذ من قبل ملثمين ممن يخفون وجوههم عن كاميرات الصحفيين وموبايلات المتظاهرين ، ولا يعلم بهويتهم إلا من أرسلهم وكلفهم ب( الواجب ) ولكنهم فشلوا في شق صفوف المتظاهرين او العثور على أي إثبات بان التظاهرات مجيرة او محسوبة لجهة ما ، ورغم إن صبر المتظاهرين وقدرتهم على التحمل يكبر ويزداد يوما بعد اليوم واغلبهم لم يألفوا حياة من هذا النوع لان اغلبهم فتية بأعمار 15 – 22 سنة وفيهم اصغر من هذه الاعمار واغلبهم من الطلبة والخريجين ومن العوائل العراقية الكريمة ويشاركهم الأساتذة والمعلمون والأطباء والكتاب والفنانين وربات البيوت وأصحاب المهن والحرف والمعوقين والمرضى وعينات من كل العراقيين ، إلا إن الاستجابة لمطالبهم لا تزال في طور الخطابات والتصريحات التي ليس فيها أية ضمانات ، فممثلي الشعب المفترضين في مجلس النواب بالكاد يحققون النصاب لعقد جلسة تطرح فيها خيارات تصطدم بتعقد إجراءات ونصوص الدستور ، وآخر ما صدر هو خطاب لرئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح وفيه دغدغة للمشاعر وتعبير لفظي عن احترام لمطالب المتظاهرين ووعود بالحرص في الحفاظ على سلمية التظاهرات وعدم التصدي للمتظاهرين ، أما الاجرءات فإنها لا تزال في طور الدراسة والصياغة من قبل خبراء ومختصين لم يفصح عن هويتهم وخبرتهم ومدى استقلاليتهم ، ووعود بان يعاد النظر بقانون ومفوضية الانتخابات وإجراء تعديل في الدستور والمضي بإصلاحات ترضي الجمهور ، وكل هذه الوعود لم تقترن بتفاصيل مطمئنة او سقوف زمنية من شانها أن تعيد المتظاهرين لبيوتهم وأعمالهم مطمئنين مما سيحملهم على المضي بالتظاهر بانتظار فعل إرادي من شأنه إجراء التغيير الايجابي الذي يصب في مصلحة العراق وشعبه وهو ما ينشده المتظاهرين ، وفي ضوء خطاب رئيس الجمهورية نتوقع أن يستمر زخم التظاهرات ولا يتركونها إلا بعد أن يلمسوا فعلا لما خرجوا من اجله ، فهم في كل الأحوال لم يعولوا على التصريحات والخطابات وإنما على الأفعال التي أن تأخرت من قبل من تعهد بمؤازرة المتظاهرين ، فان القرار سيتخذ في ساحات التظاهر بغداد والناصرية والبصرة وكربلاء وغيرها من المدن التي شهدت سقوط الشهداء والجرحى والمصابين وكل مساحات العراق ، التي وصفوها بأنها منابر إعادة الحق لأهله من خلال الطرق السلمية التي كفلتها المواثيق والقوانين المحلية بما فيها الدستور ، وكل القرارات التي تناصر حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في اختيار ما تريد ، ولا تزال الكرة في الملعب العراقي وبإمكان الوطنيين والأحرار أن يضعوا حلولا تكحل عيون أبناء شعبهم ليكون الرابح الوحيد هو العراق بدون أي تدويل او وصاية او تدخل أجنبي ، وما يعنيه ذلك من الناحية العملية إن خطاب دولة رئيس الجمهورية لم تعطي تذكرة للمتظاهرين العودة للبيوت باطمئنان كما إنها لم تشكل مانعا لهم في الاستمرار ، رغم انه بات من المعلوم ان تظاهرات العراقيين هذه الأيام لا يمكن أن يصدها جدار او تصل إلى طريق مسدود لأنها عازمة على تحقيق مطالبها ما دامت على حق وهي لا تهمش دور أحدا في الإسهام ببناء العراق مادام نزيها ولم تتلطخ يده بالدماء .