23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

لا صلة بين قرار المحكمة الاتحادية العراقية وتطلعات وآمَال

لا صلة بين قرار المحكمة الاتحادية العراقية وتطلعات وآمَال

جماهير كوردستان والعراق
صدور قرار المحكمة الاتحادية في بتاريخ 15-2-2022 حول عدم دستورية قانون النفط والغاز في حكومة إقليم كردستان، افرزت ردود أفعال متباينة بين الجهات والاطراف السياسية بشقيها الكوردي والعربي والكل يفسره حسب بوصلة مصلحته السياسية، ورُؤَاهَا من زاوية نتائج هذا القرار، وهذا القرار بالتأكيد سوف يؤزم الوضع أكثر مما هو عليه وسوف يدفع بالوضع السياسي الى عنق الزجاجة.
بعيدا عن الدخول في معمعة النقاشات والصراع الدائرة بين الاخوة الأعداء، حيث الادعاء الكاذب بنزاهة وحيادية القضاء العراقي من جهة والادعاء بالهجوم على مقدرات ومصالح إقليم كردستان العادلة الذي له الحق في الاستفادة من ثرواته الطبيعية من جهة اخرى.
على الرغم من ان النفط والموارد الطبيعية هي العصب الرئيسي للاقتصاد العراقي، ولكن كل الإدارات المتعاقبة لهذا الملف لم تدرج يوما في اجنداتها برنامج لتأمين أدني درجة من الرفاه وتوفير العيش الكريم للمواطن العراقي، ان المستفيدين الوحيدين هم الطبقة البرجوازية حيث ازداد عدد المليونيرية والمليارديرية بعد ٢٠٠٣، وعددهم بات يتجاوز عدد المليارديرية في الكثير من الدول الاوربية مثل ايطاليا وهولندا، في حين تزداد معدلات الفقر والبطالة الى اعلى درجاتها يوما بعد يوم.
الحقيقة من وجهة نظرنا ان قضية الصراعات المحتدمة بين الأطراف السياسية في العراق هي انعكاس لأجندات وصراعات عالمية والتي تبرز تأثيراتها المباشرة على الدول البترولية على وجه الخصوص. وهي مسألة أكبر بكثير من تلك الترهات التي تدعيها البرجوازية المحلية بكل تلاوينها واشكالها. الجميع يعلم بان شبح واحتمالية الحرب ابتعدت وأخمدت ولو لفترة قصيرة بين روسيا وامريكا في أوكرانيا، الا ان تبعاتها الاقتصادية وإعادة الاصطفافات السياسية انعكست على معظم دول العالم ولاسيما الدول التي ترتبط مصالحها بشكل مباشر مع روسيا وامريكا.
تحركت أمريكا من ضمن حملتها الإعلامية الهستيرية والتصعيدية للحرب التي كانت تدعي الهجوم الروسي المحقق على اوكرانيا طيلة الفترة الماضية، وعملت بموازاة الحملة الحربية بمحاولة لخنق روسيا اقتصاديا من خلال إيجاد قنوات بديلة لتأمين الطاقة والغاز لأوروبا عوضا عن روسيا. واهم هذه البدائل المطروحة هي قطر وكردستان العراق، حيث جرت زيارات مكوكية متبادلة بين أربيل وتركيا وقطر، تمخضت عنها قرارات مبدئية بين هذه الدول وبرعاية أمريكية- قطرية بالعمل وفق هذا التوجه، حيث ابرم الرئيس التركي اتفاقية كبيرة للغاز الطبيعي من قطر، كما وتزامن مع اعلان رئيس حكومة إقليم كوردستان استعداده لتلبية احتياجات انقرة من الغاز الطبيعي وهذا ما صرح به الرئيس التركي اثناء مقابلته مع نيجرفان البارزاني. وهذه الاتفاقيات لها ابعاد استراتيجية بعيدة المدى، لان تركيا هي أحد اهم المعابر والقنوات الرئيسية التي ترتبط مع الاتحاد الأوربي عن طريق البحر. تبذل أمريكا كل جهودها نحو فصل روسيا اقتصاديا عن الاتحاد الأوربي بهدف تهديد وتضعيف الاقتصاد الروسي. كما وان الرسالة موجهة لإيران أيضا في نفس الوقت، حيث ان إيران تزود تركيا بنسبة 16% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021 وقد تم تقليل الصادرات ابان ازمة أوكرانيا تحت ادعاءات الخلل الفني. وفي المقابل استأنفت تركيا محادثاتها مع إسرائيل بشأن نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا، وتحركات إسرائيل على محور الاتفاقيات مع قبرص واليونان ومحاولة احياء مشروع EAST MED لمد أوروبا بالغاز الطبيعي. هذه التحركات والحروب الاقتصادية نماذج مصغرة على تلك الصراعات بين دول الرأسمالية العالمية التي تلقي بظلالها على العالم.
فيما يخص موضوع قرار المحكمة الاتحادية فقد تزامن مع هذه الاحداث والتحركات، زيارة رئيس إقليم كوردستان الى تركيا وزيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان الى قطر بدعوة من تميم بن حمد آل ثاني.
وبإلقاء لمحة قصيرة على الشركات النفطية العاملة في كردستان فهي مرتبطة بشركات متعددة ومن ضمنها شركات دانا غاز وهي شركة اماراتية أحد اهم مراكزها الرئيسية في إقليم كوردستان تقوم بتأمين انتاج الغاز الطبيعي ومعالجته ونقله الى السوق العالمي. وهناك تعاقدات بملايين الدولارات بين شركة بيرل بتروليم المحدودة التي تديرها شركة نفط الهلال ودانا غاز الامارتية لتوسيع منشات انتاج الغاز في إقليم كردستان. وتمت هذه الاتفاقيات الاستراتيجية بشراكة ودور مؤسسة تمويل التنمية الدولية الامريكية (DFC).
وتحاول إيران وروسيا الوقوف في مواجهة هذه المخططات، من خلال تسلط النفوذ الايراني في حكومة العراق ومحاكمها ومن خلال ابراز ملف دستورية او عدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان والعمل على افشال هذا المشروع. على الرغم من ان هذا الملف قديم حيث يرجع تاريخه الى عام ٢٠١٢. وهذا إنْ دَلَّ عَلَى شَيءٍ فإنما يَدُلُّ على ان هذه الاحداث ليست عرضية او جاءت محض صدفة، وانما هي حرب وكالات واللاعبين الرئيسين هما روسيا وامريكا والاستقطابات الدولية التي تدور في فلك هذا الصراع.

ان الاحداث الجارية تدفع بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الى اعلى مدياتها. وان بروليتاريا العراق تقع على كاهلها كل نتائج هذه السياسيات والأزمات المترتبة عليها، حيث حياة ومعيشة العامل لا تختلف قيد انملة سواء كان انتاج النفط والغاز تحت سطوة البرجوازية الإسلام الشيعي- السني او تحت سطوة البرجوازية الكوردية، كلا الجهتان سيان بالنسبة للبروليتاريا ولا يغير من جوهر ومكانتها في الصراع.
ان فهم الصراع الجاري بالنسبة للجماهير العراقية وإقليم كردستان هو بمثابة تثبيت موطئ قدم باتجاه وتقوية المسار النضالي الطبقي، لان الصراعات المحتدمة بين الأطراف البرجوازية والرأسمالية العالمية لا تجلب سوى الكوارث والمصائب الإنسانية.
موضوع الشرعية او عدم شرعية نفط وغاز الإقليم ليس موضوع البروليتاريا حسب، وانما وجودهم كحكومة وسلطة لا تملك أدنى شرعية، وعلى البروليتاريا النضال من اجل كنسهم الى مزبلة التاريخ واحلال بديلها السياسي.