18 ديسمبر، 2024 11:41 م

لا سلام بدون عدالة

لا سلام بدون عدالة

الشباب المنتفض هم جيل الحروب العبثية وجيل الحصار الجائر وجيل الاحتلال الغاشم وجيل الفتنة الطائفية ، هؤلاء خامة جديدة تختلف كلياً عن الاجيال السابقة ، جيل عاش الجوع والحرمان بزمن الحصار وشعر بالذل والهوان وهو يرى المحتل يغتصب كل شيء ، جيل شاهد الرؤوس المقطوعة والاجساد المرمية في الطرقات ابان الحرب الاهلية ، هو الجيل الذي انتشرت بزمانه المخدرات وتفشت فيه الامية والجهل وتصدعت قيم المجتمع ، انه ببساطة جيل عاش الجحيم بكل تفاصيله فهو لايخشى شيء وليس لديه شيء يخسره ، انه جيل لايملك سوى غضبه ويسعى للخلاص ، فلا تحدثوه بالعقلانية والصبر ولاتوعدوه بوعود كاذبة ،انه جيل لايرضى بأنصاف الحلول ولا بالمماطلة والتسويف ، أنه التسونامي ، انه الجيل القادم من رحم الجحيم .

كل هذه الاجيال الغاضبة تبحث عن السلام و لقد ادركت جيدا لا سلام بدون عدالة ، العدالة الاجتماعية هي نظام اقتصادي واجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع. تسمى أحياناً العدالة المدنية، وتصف فكرة المجتمع الذي تسود فيه العدالة في كافة مناحيه، بدلاً من انحصارها في عدالة القانون فقط. العدالة الاجتماعية يتصورها البعض فكر شيوعي او يساري اوليبرالي وتخشى منها الاحزاب الاسلاموية ، أن العدالة الاجتماعية مفهوم فلسفي وليس مفهوم سياسي فهي موجودة بكل النظم السياسية المختلفة و المتحضرة .

بولاية الامام علي بن ابي طالب رائد العدالة الاجتماعية التي كانت عدالته مفخرة ، الجميع امامه متساوون عرب كانوا او أعاجم ، غنيهم وفقيرهم ، صغيرهم وكبيرهم متساوون امام القانون ، رسالة الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر : ((وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أونظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك! وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم)) . هذه الرسالة نجدها اليوم معلقة على جدران الامم المتحدة ، هذه هي عدالة الامام علي ولذلك تآمروا عليه ، لان دينه دين عدالة ، اما دين المتآمرين فهو دين قريش ، دين التفاوت الطبقي والاجتماعي فيه السيد والعبد ، فيه الغني والفقير ، فيه الجائع والمتخم ، دين المحسوبية والمنسوبيةولذلك قتلوه ، كما ان هذه الاجيال تأثرت بواقعة الطف بكل تفاصيلها وعرفت ان المبادئ تصنع الثبات بأرض المعركة وعرفت طريق الثورة وادركت ايضا ان الطغاة يشترون الناس بالمال الفاسد ، فهم قرأوا ان عبيد الله بن زياد قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة بعد ان رشى مؤيديهم وشتت شملهم ، رشاهم بالمال المسروق من بيت المال .

هذه الاجيال قرأت التأريخ جيدا من خلال تواصلها مع العالم الخارجي والداخلي عبر الانترنت ، قرأوا عن جيفارا وعن نلسن ماندلا وقراوا الثورة الفرنسية وعرفوا جيدا ان الديمقراطية ليست بآلياتها وانما بروحها ، وتعرفت على تجارب شعوب العالم وطريقة عيشها وادركت مبتغاها فهي تبحث عن العدالة .

هذا الاجيال لاتسعى للحرب بل تسعى للعيش بسلام وتسعى للتغيير ، التغيير لايحدث بدون صراع ، الصراع مابين جديد يولد وقديم ينهار، احزاب السلطة هي من تتحمل نتائج ما ستؤول اليه الامور ، لقد اهملوا وتجاهلوا واهانوا واذلوا وهمشوا هذه الاجيال المتعاقبة .