18 ديسمبر، 2024 9:57 م

لا سبيل لاستعادة القدس بأمة مبعثرة

لا سبيل لاستعادة القدس بأمة مبعثرة

يومًا بعد يوم ينكشف مدى الانحطاط الذي لحق بأمة وصل عديدها إلى مئتي مليوني نسمة بعد أن أضحت غثاء كغُثاء السيل, وزمجرة قادتها ليس إلا زبد كزبد البحر لا يلبث حتى يذهب جفاء.
يتصور الكثير أن دولة بني صهيون يمكن الخلاص منها بصاروخ ينطلق بين فينة وأخرى يقابله عشرات بل مئات الصواريخ تنطلق من جانب الكيان المجرم الذي يتحالف عسكريًا مع دول سخرت ترسانتها العسكرية له متى شاء, فيما يظن البعض أن الأمم المتحدة يمكن أن تنصف المسلمين وقد وضعت سيف الفيتوعلى رقابهم منذ أن أُسست عصبتها على غرار نموذج نظام الماسونية والذي يعطي للقيادة العليا حق الفيتو في نقض ما لا يستسيغه من قرارات.
لقد أصبح قادة المسلمون وفي شتى أرجاء المعمورة يحسنون اختيار الشعارات الزائفة ويتفننون في رسم المواقف التي تخرجهم من المآزق المحرجة تجاه مسرى الرسول وأولى القبلتين وثاني الحرمين. ولا أعلم هل أن الشعوب المسلمة بقدر ما تم الكذب عليها صدقت. أم أن طول الفترة منذ بيع فلسطين لحفنة من شُتات اليهود إلى أن أصبحوا دولة قد أضحى واقعاً لا يعني المسلمين من أمره شيئاً؟ أم أنهم تماشياً مع المتطرفين في العقائد جعلوا من قضية القدس سوقاً يبتاعون فيه الأسلحة ليقتتلوا فيما بينهم أو ليجهزوا الحملات فيه بعضهم على بعض؟ فيما تم تخديرهم من جهة القدس بحقن اتفاقيات كامب ديفد وأوسلو ثم غزة – أريحا حتى وادي عربة وبعدها طابا ثم واي ريفر 1 و2 .
وهنا ونحن نتوغل في الحضيض أكثر فأكثر أفلا ينبغي لنا أن نرش وجوهنا بماء الكرامة عسى أن نصحو من سكر السياسة؟ أليس علينا أن ننتبه إلى كتاب الله عز وجل وهو يقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}؟ [الأنفال : 46]. ألم يبين لنا القرآن الكريم سلفاً موقف بعض أهل الكتاب من الأميين :{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}؟ [آل عمران : 75] فإذا كانوا لا يؤدون القنطار إلينا كون أن لا قيمة لنا في حساباتهم وليس للأميين عليهم من سبيل فكيف نأمل منهم أن يؤدوا القدس إلى أهلها!!!؟
لقد خدّرت السياسية وآثراها الشعوب المسلمة مرات ومرات وفي كل مرة يكون ضحيتها القدس فدائما هي كبش الفداء وقربان الرب الأعلى الغربي ، منذ حروب الإفرنج. ولكي نفهم الحقيقة ونستفيق من السبات العميق ونعلم ونتيقن أن الوحدة كفيلة باستعادة القدس بل كل الأراضي المغتصبة علينا أن نكون أمة واعية ليست مسيّرة برغبات سلاطين وأمراء ورجال دين همهم ملكهم ومملكاتهم ولو على حساب ثوابت الإسلام.
وهنا يقينا لا سبيل إلى ذلك إلا أن نتحصن بسلاح العلم قبل كل سلاح ونقرأ ونستقرئ التاريخ لنفهم أن ما يحصل لنا حل وحصل لمن كان قبلنا فلم نعالج المشكلة ولم نستفد من أخطاء الماضين ولربما أن من بيننا من يمكنه مسك الدفة والإبحار بسفينة النجاة خوضا في غمرات هذا البحر الهائج والمتلاطم بالفتن كونه خبر الاتجاه الصحيح وعرف متى يرفع الشراع وأين توضع المرساة.
لم أكن أتوقع أننا سنكون بحاجة إلى تلك المحاضرات التي ألقاها المحقق الأستاذ الصرخي الحسني بعنوان توحيد التيمية الجسمي الأسطوري بخصوص تاريخ الزنكيين والصلاحيين الذين إعتبروا ولاة الامور وأئمة وقادة والتي كثرت في زمنهم المساومات على تسليم القدس للإفرنج نتيجة صراع الداخل إلا بعد أن رأيت كيف بيعت القدس اليوم بصفقة الصراعات السياسية والخضوع للإرادة الأميركية.فكانت نفس السياسة ونفس وعاض السلاطين وشيوخ التكفير الذين يخلقون الصراعات بين المسلمين. ويعقدون الصفقات مع المحتلين .. فقد ذكر المحقق الاستاذ في معرض رده على أئمة التيمية الذين لا هم لهم غير الحقد والنصب والعداء والافتاء بقتل المسليمن بمختلف طوائفهم وتكفيرهم وتمجيد القادة الخونة وبائعي القدس بالامس واليوم حيث يقول في المحاضرة الخامسة والثلاثين ((المورد2: خيانة عظمى وجريمة كبرى!!! بل مِن أكبر الجرائم والخيانات يرتكبها أبناء الملك العادل!!! وقد قُطِعَ لسان ابن تيمية هنا وبلعه حتى مِن دون أن يشرب الماء بعده!!! فلم تصدر منه أيَّةُ خزعبلة مِن خزعبلاته التدليسيّة الافترائيّة الكاذبة الفاحشة في تعليق فشله وهزيمته وخيانته وانحرافه وضلالته على الآخرين كعناوين ابن سبأ وسبئيَّة وابن علقمي وعلقميّة ومجوس وشيعة وروافض!!! لنرى ماذا حصل في سنة (626هـ): الكامل10/(434): [ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (626هـ)]: [ذِكْرُ تَسْلِيمِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ إِلَى الْفِرِنْجِ]: قال (ابن الأثير): {{فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، تَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ صُلْحًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ: 1..2..7ـ فَسَارَ (الأشرف) إِلَى دِمَشْقَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحَا وَاتَّفَقَا، وَسَارَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ إِلَى الْمَلِكِ الْكَامِلِ وَاجْتَمَعَ بِهِ. 8ـ فَلَمَّا اجْتَمَعَا، تَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَنْبرورِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ دَفَعَاتٍ كَثِيرَةً، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ وَمَعَهُ مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ مِنْ بِلَادِهِ، وَيَكُونُ بَاقِي الْبِلَادِ مِثْلُ الْخَلِيلِ، وَنَابُلُسِ، وَالْغَوْرِ، وَمَلَطْيَة، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ. 9ـ وَلَا يُسَلَّمُ إِلَى الْفِرِنْجِ إِلَّا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ مَعَهُ. 10ـ وَكَانَ سُورُ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ خَرَابًا [قَدْ] خَرَّبَهُ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ، وَقَدْ [ذَكَرْنَا] ذَلِكَ. 11ـ وَتَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَاسْتَعْظَمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَكْبَرُوهُ، وَوَجَدُوا لَهُ مِنَ الْوَهْنِ وَالتَّأَلُّمِ مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ}}، [أقول: حاول ابن الأثير تخفيف المصاب والتقليل مِن قبح الجريمة والخيانة العظمى التي ارتكبها أبناء الملك العادل، فقدَّم مبرِّرات خيانة بيت المقدس والمقدَّسات الإسلاميّة: أ..ب.. هـ- وإذا كان البيت المقدَّس حاله حال باقي المدن والبلدان، بل أقلّ شأنًا منها بحيث يخرِّبون سوره ويتنازلون عنه للفرنج!!! فلماذا إذن جعلتم عمليّة فتحِهِ وتحريرِه مِن قِبل الفاتح صلاح الدين قضيةً مقدَّسة قدسيّة أقَمْتم الدنيا لها ولم تُقعِدوها؟!! ولا زالتِ الدنيا عندكم قائمة بخصوصها ولم تقعد، ولن تقعد عندكم أبدًا مادامت الأمة عاجزة عن إنجاب قائد شجاع!))
وهنا أقول حري بكل مثقف ومتعلم حريص على دينه وتاريخ أمته أن يطلع على بحوث وأراء هذا المرجع المحقق الذي شخص الداء المعظل الذي لازم الامة قرونا طويله ، علينا أن نتفق من خلال ما خط قلمه على ثوابت من شأنها أن تقدمنا خطوت في الاتجاه الصحيح بعيدا عن المنزلق الخطير الذي صرنا إليه.