22 نوفمبر، 2024 11:17 م
Search
Close this search box.

لا رجولة في زمن العنف

لا رجولة في زمن العنف

فغيرة الوضيعين ماتزال أكثر قوة في مسرحية ” لا رجولة في زمن العنف ” للكاتب المسرحي عدي المختار
يقول ” ت. س . اليوت ” في مسرحيته الشهيرة ” قتل في الكاتدرائية “
الغيرة تأكل أحشاء الشيطان  ص51
ذلك التوحد الجميل بين الذات ، والفعل المقدس ،  هذا باختصار ما تعالجه المسرحية ”  قتل في الكاتدرائية ” لا أدري لماذا يذكرني موقف رئيس الاساقفة هنا بموقف الفيلسوف اليوناني ” سقراط ” ولماذا يكون هناك ضحية ؟ هكذا  يقول  المترجم ” مُيّسر الخشّاب ” في نهاية المسرحية  التي كتبها ” اليوت ” ويبدو هذا الصراع الذي يخُيم على أبناء البشرية منذ صراع ” هابيل وقابيل ” لم ينته  بل على العكس  يزداد يوماً بعد يوم ،وهل يعتقد كٌتاب المسرح أو القصة أو الرواية أنهم سيقضون على هذا النزاع الذي شكل غولاً كبيراً في نفوس المبدعين عبر ما يكتبوه على الورق الأبيض ، وهم يلامسون الواقع المعاش الذي خيم عليهم بالموت والدم والقتل ، الذي أزهق أرواحا كثيرة من بني البشر دون سبب أو أقتراف للجريمة أو الحديث عن شيء يمس الملوك والامراء وأصحاب القرار ، بل قضى حتى على الصامتين  من الذين فضلوا النأي َ عن دائرة الجدل  ، لأنهم  لاذوا  بلغة الصمت  كوسيلة   إنقاذ والابتعاد عن كل ُ ما يفقد حياتهم ،ورغم مايقال عن الشعوب ، الا أن هذه الشعوب هي ولودة في خلق أناس من صناع الجمال على مدى العصور ، وكما قال الروائي المعروف ” عبدالرحمن منيف ” الصمت لغة ،فجاء الكاتب الشاب المبدع ” عدي المختار ” ومن خلال النص الفائز بالمركز الأول في جائزة ” دار الشؤون الثقافية التابعة لوزارة  الثقافة العراقية ” وهذا النص ” لا رجولة في زمن العنف ” يقدم لنا طبخة شهية فيها الكثير من الخيال الذي استمدهُ الكاتب عبر قراءته المستمرة والمفعمة بقضايا تمس الحداثة والتقدم و إشكالاتها ، بل هي بإعتقادي رسائل إلى الاخر الذي ينمو في عقله الخراب والقتل الوحشي الذي يرفضه الكاتب ، هذه مفردات المحبة والسلام في عالم لا يكترث لها ومن خلال شخصيتين مهمتين هما ” الرجل + المرأة ” وبالتالي لماذا أختار المرأة هي الضحية ، وجلادها الرجل ، هذا الصراع الذي تحدث عنه كبار الفلاسفة والمبدعين ومنهم ” اليوت ” في مسرحيته الشعرية التي أراد لها أن تدخل العقل وتصبو إلى تفعيل الحياة ، وهنا يتلاعب ” المختار ” ويطالب بمنح المرأة حقها و إعادة لها  بيتها ،وهل السلطة الذكورية هي التي تمارس العنف مع هذا الكائن اللطيف ، أو مايسمى الجنس الناعم ،هذه الرحلة هي إنصاف وعالم الحقيقة المرة والدفء بالاضافة إلى الرومانسية المشتعلة في دواخل الشخصية ” المرأة ” وهو بالتالي ينطلق من الحياة اليومية ولم يكتف  بهذا بل راح يغوص في المخزون التراثي الأدبي والفكري ، حتى يتماشى مع الواقع الذي نعيشه ، وتسديد فاتورته التي أصبحث ثقيلة على كواهل مبدعينا ، هذا النص على ما أعتقد جاء بعد مخاض طويل وفيه حوار مدروس بين الشخصيتين ” المرأة + الرجل ” وهما يشكلان المحور الرئيسي في هذا العمل ، نجد ومن خلال المشهد الأول صراع الولادة وهي تعني إستمرار الحياة ،ومن خلال إستخدام قطعة قماش بيضاء ،وأخرى حمرا ء ،  تمتدتان بشكل طولي من أعلى عمق فضاء المسرح ، منتصف المسرح ، وكأنهما متدليتان  من السماء ، وهذه دلالة سيميائية مهمة لإرسال بعض الشفرات  عبر العلامات والالوان  ، لخلق هامش أوفضاء  يطلق العنان لمشتغلي النص المذكور  في الأبحار في عملية الخلق والابداع واستنباط استنتاجات جديدة مرتبطة برؤآهم حيال مضمونه  ، وكما هو معروف عند جميع المشتغلين في المسرح ، وخاصة الذين يريدون  التجديد من خلال البحث عن مضامين وأشكال جديدة   والبحث عن ما هو جديد في سبيل تقديم ما هو مفيد  وجميل للمتلقي  ، بإعتباره  هو نص أدبي مكتوب على الورق ، وبالتالي  هو تركيز الضوء من خلال متعة معرفية  كما فعلها ” المختار ” في نصه الذي أراد له أن يخرج إلى النور ، وهو يكشف عن مواطن الخلل في أوطاننا المتعبة التي  تنتشر فيها الكثير من العادات السيئة والمقرفة التي تداولها الإرث العراقي الفطري الطافح في نفوسنا المريضة  ، وهو المبصر بها ومحدد المشكلة بعيداً عن الحشو والتلفيق ، وعند تناوله لشخصيتين مهمة في المجتمع العراقي هما ” الرجل +المرأة ” هو واحد منه يعبر عنه وهو لسان من ألسنة حاله ،مما جعل بيننا حميمية ونحن نقرأ النص وموضوعة الطرح التي كانت تتصارع في مخيلة الكاتب ، في المشهد الثاني كان المؤلف ” المختار ” كان عمله مستساغاً بعيدا كل البعد عن السرد والخطابة والوعظ والتكلف وكذلك الابتذال واللفظ والتعقر والتعالي على الجمهور ، كما يفعل الكثير من كتاب المسرح هذه الأيام ، نجد في معظم المشاهد هذا الصراع الذي يلف عقول الكثير من رجال هذا العصر ،والكاتب يجابههم في كل تحد ٍ وصراع فكري تنسجه المخيلة ، في المشهد الثاني هذه الحورات
الرجل ” لاردة في أن يكون الرجل سيد المرأة ، والمرأة جارية للرجل ، بل الردة
” يحمل قطعة القماش ويلفها على يده كأنها سوط ”
المرأة ” تحاول التمايل في المسرح للإقناع ”
الشمس خليلة القمر ” بحزم له ”
من يعجز منهم عن تبديد الظلمة
وهو يقدم لنا حواراً متنوعاً وحسب الأحداث التي سار عليها المؤلف ، ولو تعاملنا مع الحالات النفسية ، كي نظهر البعد النفسي للشخصيتين نجد المونولوجات الفردية التي اشتغل عليها بدراية واعية ، وكأنه طبيب نفساني حاول الولوج إلى عوالمهم التي تتنفس فيها روح المجتمع العراقي  ، وهذا يذكرني في  إستطلاع ظهر حديثاُ بين نساء العالم فظهرت المرأة الكندية الأولى من حيث نيلها لحقوقها ودورها المؤثر في المجتمع في حين حلت  المرأة العراقية الأخيرة من ناحية عدم نيلها لحقوقها المدنية المشروعة ومحاولة تحجيم دورها بدواع ٍ مختلفة ، وهو يُسّير أحداث عمله المسرحي تبعاً للشخصيات بعيداً عن مساحة الدور ، حتى يظل يحقق المتعة الفنية والفكرية للقارئ ، وكل كلمة وظفها في مكانها  ” المختار ”  لها  وظيفتها في خلق أجواء تثري العمل المسرحي ،
الرجل ” يخرج من بين كتبه دستور البلاد ”
خليلتي بالفراش ” يضحك ”
بالفراش فقط بعيدة عن الحكم والدولة
المرأة ” وهي تقف يسار المسرح نصف دائري ”
حقي هو ان اشاطرك الدين والسياسة
” تحاول الإمساك به ”
مثلما أشاطرك الحب والرغبة
ولا غرابة في تهميش المرأة العراقية في المشاركة في مواضع صناعة القرارات المهمة فوجودها في الاروقة السياسية لا زال هشا ً لا يخرج عن كونه إكمال ديكور فحتى الآن لا دور حقيقي يذكر لها ، والأغرب من ذلك كله هو اننا حتى في مغترباتنا نشهد الواقع نفسه فالمرأة العراقية مغيبة تحت عناويين مختلفة منها العرف الاجتماعي البالي الذي أعيد التعاطي به هنا وتارة تحت عناوني دينية لذا بقي دورها هنا ايضا محدودا ضمن فضاءات ضيقة جدا ً في خريطة الحراك المدني للجالية العراقية تحديدا ً .

أحدث المقالات