7 أبريل، 2024 9:57 ص
Search
Close this search box.

لا خلاص للعراق والأحزاب المتأسلمة تحكمه

Facebook
Twitter
LinkedIn

في واحدة من جرائم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش وفريقه المتصهين عقب احتلال العراق، اختراع نظام المحاصصات الطائفية والعرقية وتكريسها عمليا منذ نهاية عام 2005 عندما رفع نائب رئيس الجمهورية الكردي جلال طالباني إلى رئاسة الجمهورية، وعين زعيم حزب الدعوة الشيعي إبراهيم الجعفري رئيسا للحكومة، واختير التركماني السني حاجم الحسني رئيسا للبرلمان الذي حمل اسم “الجمعية الـوطنية” قبـل أن يتحول إلى مجلس النواب.
ورغم أن تلك الفترة سميت بـ“الانتقالية” ولم تستمر غير بضعة أشهر، إلا أنها فرضت نظام المحاصصات الطائفية رسميا، وثبتته كصيغة دائمة في المشهـد السيـاسي مع إجراء تغييرات بسيطة علـيه لتجميل صورته، عنـدما تم استبدال التركماني السني الحسني القيـادي في الحزب الإسلامي وقتئذ، بالصوفي السني محمود المشهداني، وتصعيد عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة، بدلا من الجعفري في حين استمر طالبـاني متخندقا برئـاسة الجمهـورية رمزيا.
 
ولم تشهد الرئاسات الثلاث تغييرا خلال السنوات (2006 – 2010) غير استبدال موقع رئيس مجلس النواب المخصص للسنة العرب، عندما تمكن النواب الشيعة، يتقدمهم همام حمودي وبهاء الأعرجي وهادي العامري بتحريض من رئيس الحكومة يومذاك نوري المالكي وتشجيع الحزب الإسلامي، من إجبار المشهداني على تقديم استقالته بحجة “فلتان” لسانه، رغم أن العملية برمتها كما اكتشفت لاحقا كانت تنسيقا عالي المستوى بين حزبي الدعوة والإسلامي لتهيئة الأجواء لدفع الأخير إلى الواجهة السياسية ليكون ممثلا (شرعيا) ورسميا للسنة العرب في العملية السياسية، وبدايتها انتخاب القيادي في الحزب حينذاك إياد السامرائي رئيسا للبرلمان بدلا من المشهداني، وكان من ضمن الصفقة التنسيقية بين الحزبين أيضا إبعاد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي من الأمانة العامة للحزب الإسلامي بعد ظهور توجهات “عروبية” على سلوكه وممارساته، وهي توجهات يتطابق الحزبان على رفضها وعدم التعاطي معها.
 
وفي انتخابات 2010 التي هزم فيها حزبا الدعوة والإسلامي وباتت الفرصة سانحة لإقصائهما عن رئاستيْ مجلسي الوزراء والنواب، فزعت واشنطن وولولت طهران، وتعاونت العاصمتان على حشد القيادات الشيعية بما فيها التيار الصدري وراء زعيم الدعوة نوري المالكي ليعود رئيسا للحكومة في ولاية ثانية، بينما أخفقتا في إنقاذ الحزب الإسلامي من سقطته الانتخابية التي لم تفز قائمته إلا بستة مقاعد نيابية بالتمام والكمال، وهكذا استمرّ طالباني والمالكي في منصبيهما وانتخب أسامة النجيفي لرئاسة البرلمان خلافا لإرادة حزبي الدعوة والإسلامي اللذين اضطرا إلى القبول به وانحنيا أمام عاصفة “القائمة العراقية” وفوزها الانتخابي الساحق والنجيفي أحد أقطابها.
 
هذه المقدمة تبدو لازمة لإلقاء الضوء على الأزمة السياسية التي يشهدها العراق حاليـا، وكشف ملابساتها ودور حزبي الدعوة والإسلامي في تصاعدها واستمرارها، فحيدر العبادي، عضو المكتب السيـاسي للدعوة، متشبث بمنصبه الحكومي رغم فشله المدوي مدعوما من رئيس حزبه نوري المالكي الذي لا يرضى بذهاب رئاسة السلطة التنفيذية وقيادة القوات المسلحة من الدعوة، وسليم الجبوري متمسك بموقعه مسنودا من حزبه مع أن شرعيته باتت مهتزة، وهذا يوضح ببساطة أن الحزبين الشيعي والسني يصرّان على قيادة المشهد السياسي في العراق حتى آخر نفس لهما.
 
ومما ساعد على استمرار تصدر حزبي الدعوة والإسلامي لهذا المشهد الضبابي وقوف الولايات المتحدة وإيران خلفهما ورفض إزاحتهما في لقطة لا تخطئها العين المجردة عن حجم التخادم السياسي المشترك بين واشنطن وطهران في العراق، يضاف إلى ذلك تذبذب مواقف الأطراف السياسية والكتل النيابية الأخرى، فالتحالف الكردي لا يعنيه ماذا يحصل في العراق العربي، والمجلس الأعلى يخشى تطورا مدنيا في الشارع الشيعي ويفقد آل الحكيم مكانتهم الطائفية والسياسية، والتيار الصدري يبحث عن حقائب وزارية تدرّ عليه عقودا وصفقات وعمولات، واتحاد القوى العراقية مختل التوازن وتائه المسار تتقاذفه الأهواء والشللية، وجميع هذه الكتل تبحث عن مكاسب وامتيازات إضافية لها دون الاكتراث بمن يحكم.
 
ولعب النواب المعتصمون وأغلبهم من ائتلاف دولة القانون وسنة المالكي وإياد علاوي وفاضل الدباس دورا بارزا في تثبيت مركز ممثل حزب الدعوة في رئاسة الحكومة حيدر العبادي، عندما حرّفوا دعوات الإصلاح التي تنادوا بها ادّعاء، من رئيس الحكومة القلق والمتلكئ في تنفيذ وعوده إلى منصة البرلمان التي -لا تهش ولا تبش- وكأن معركتهم مع رئيسه الجبوري الضعيف أصلا، وتركوا العبادي يضحك على الشعب بالتلويح بكابينات حكومية مهلهلة ومظاريف مغلقة، يضاف إلى ذلك كله أن نوابا أمثال مشعان الجبوري وشعلان الكريم وأحمد الجبوري وكاظم الصيادي وحنان الفتلاوي وعالية نصيف وإسكندر وتوت ومحمد الصيهود وهيثم الجبوري وغيرهم من زملائهم المعتصمين وعلى كل واحد منهم ملفات لا تعدّ ولا تحصى من الفساد والنفاق والطائفية، لا يمكن أن يقودوا دعوات إصلاح أو تغيير مهما رفعوا من شعارات أو ردّدوا من هتافات.
 
لا حل في الأفق القريب على الأقل، لأزمات العراق المتلاحقة، ما دامت الأحزاب الشيعية، وعلى رأسها حزب الدعوة، تتسيد المسرح السياسي يعاونها كأجير لديها الحزب الإسلامي، وعملية إزاحتها ليست سهلة التحقيق في مثل هذه الظروف السائدة، حيث تغوّلت هذه الأحزاب واستقوت بالسلطة والمال والنفوذ والميليشيات، وهمّشت المثقفين والمفكرين والمبدعين واضطهدت العلماء والخبراء والمتخصصين، واستعانت بالفاسدين واللصوص وأصحاب السوابق، وساعد الله العراقيين الذين يحلمون، لطيبتهم وحسن نواياهم، بأن غدا أفضل من اليوم.
‪© 2016 Microsoft‬ الشروط الخصوصية وملفات تعريف الارتباط المطوِّرون العربية 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب