23 ديسمبر، 2024 9:03 ص

لا حاجة لنا الى برامجهم الانتخابية

لا حاجة لنا الى برامجهم الانتخابية

من الأمور البديهية أن تكون ثمة برامج مدروسة وموضوعة بعناية فائقة في أية عملية انتخابية ديمقراطية صحيحة ، وعادة ما يكون المجال الاقتصادي والاجتماعي ووجهات النظر السياسية أكثر المجالات التي تشكلُ هوية البرامج التي يتقدمُ بها المرشحُ – ان كان فردا أو حزبا أو قائمة – لمخاطبة الناخبين عبرَ وسائل التعريف والتخاطب المتاحة ، وبها أيضا يتمُ خوض التنافس مع بقية القوى الأخرى من المرشحين . ويأخذ الناخبُ على عاتقه مسؤولية الاختيار وفق هذه المعادلة المتوازنة بين عرض البرامج ومن ثم قبولها أو رفضها بغض النظر عن العناوين والأسماء . ولكن الذي جرى وما يزالُ يجري في بلدنا العراق مختلفٌ عن تلكَ الصورة التي تعبّرُ عن جوهر الانتخابات ونتائجها . فالأسماء تتكرّرُ دورة بعدَ أخرى مع تبادل الأدوار والمناصب دون أن يكون لهذه الأسماء أية برامج يتم اعتمادا على تنفيذها لاحقا تقييمُ الفائزين من المرشحين للانتخابات . وهذا يدلّ بشكل واضح لا ريبَ فيه ولايحتاجُ الى تأويلٍ آخر أن ما يجري على الساحة العراقية مُجرّد مسرحيات لا قيمة لها وفق المقاييس الديمقراطية ، ولا علاقة لها بالمفهوم الصحيح للاستحقاقات الانتخابية . وللناخبين العراقيين أربعُ اتجاهات لا خامسَ لها ، الاتجاه الأول الذي تتحكمُ بهِ عاطفة الانتماء الطائفي أو العرقي بعدَ أن وجدوا الأجواءَ العامة مشحونة بهما ووجدوا من يدفعونهم بهذا الاتجاه . والاتجاهُ الثاني الذي تتحكمُ بهِ المعادلات النفعية والمصلحية والأمنيات من أجل الحصول على فرص شخصية ترتقي بهِم الى مستويات أخرى . والاتجاه الثالث المتمثل بعدم التصويت وشطب وريقة الانتخابات تعبيرا عن رفضهم لجميع المرشحين . أمّا الاتجاه الرابع فهوَ أكثر الاتجاهات صرامة وتذمرا من الانتخابات بكل حيثياتها وتفاصيلها عن طريق مقاطعتها كليّاً . ويبدو أن هذه الاتجاهات الأربعة لن تغيّرَ الواقع المؤلم اطلاقا لأن القوى المهيمنة على الساحة العراقية عرفت كيف تديرُ اللعبة وكيف تتحكمُ بها حفاظا على وجودها ومصالحها وليس من باب المحافظة على العراق . وهي وفق هذا المنظور لا تحتاجُ الى تقديم برامج انتخابية تتنافسُ بها مع المتنافسين . كما أنها بالأساس ليستْ مؤهلة لمثل هذه الأمور ولا تملكُ العقلية الناضجة لتقديم الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . فكلّ ما في جعبتها مشاكسات سياسية صبيانية مفتعلة ، وقائمة طويلة بالمنافع التي ستعود عليها وفقاً لحصتها من المقاعد البرلمانية . ولو أرادت بعض القوى المرشحة للانتخابات أن تكسر الحاجز التقليدي وتطرح برامج حتى ولو بالقدر القليل ، فانها لن تلتزم ببرامجها – ان تحقق لها ما تصبو اليه – بلْ ستتبخرُ كل برامجها في فضاء المغريات . اذن لا حاجة لنا لبرامجهم الانتخابية بعدَ أن عرفناهم وعرفنا ديمقراطيتهم المعوقة المشوهة .