بعد ان اختتم مؤتمر القمة العربية في جدة اعماله، والذي عقد في 19 من مايو الحالي، وانتهى في مساء ذات اليوم؛ صدر بيان عن اعمال او عن مناقشات الرؤساء والملوك العرب الذين جمعهم هذا المؤتمر، والذي اعتبر مؤتمر للم الشمل العربي. ان المقصود هنا بلم الشمل العربي هو تحديدا عودة سوريا الى الجامعة العربية، او الى مقعدها في الجامعة العربية، ومشاركة الرئيس السوري، بشار الاسد في المؤتمر. هذا من جانب اما من الجانب الثاني فقد روج لهذا المؤتمر على اساس كونه مؤتمرا؛ يخط بداية جديدة للدول العربية، أو انه البداية لحل مشاكل العرب او ما تعاني منه اغلب الدول العربية، او تحديدا لبنان واليمن وسوريا والعراق وليبيا؛ من قبل النظام الرسمي العربي من دون تدخل من الدول الاخرى، سواء الدول الاقليمية او الدول العظمى والكبرى في المجال الدولي، او الدول الفاعلة في السياسة الاقليمية والدولية. تناول البيان أو استعرض البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي الثاني والثلاثين؛ الاوضاع في اليمن وضرورة حلها او ايجاد الحل لها عربيا، بالإضافة الى سوريا وليبيا ولبنان. اما لجهة فلسطين فقد نوه البيان بأهمية حل الدولتين على هدي المبادرة العربية، وشجب او تصدى لجرائم اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. هذا البيان هو كما غيره من بيانات ختامية صدرت عن جميع مؤتمرات العرب، ولم يحمل اي تغيرا او شيئا جديدا. البيان عندما تحدث عن ايجاد حلول لما تعاني من دول العربية سابقة الاشارة لها في هذه السطور المتواضعة، لم يتحدث عن ماهية الحلول والكيفية التي بها يتم حلها او التصدي لها حلحلة وتفكيكا، ولم يذكر ألية او ادوات واقعية ومنتجة لهذه الحلول، بعبارة اخرى؛انها اصوات سردية لمعضلات الدول العربية التي لم تزل ترزح تحت ثقل وضغط المشاكل التي تنخر في جسدها، او حربا تفتت وتدمر كيانها كما هو حاصل في السودان الآن وفي سوريا واليمن وليبيا. في سوريا لم يزل الوضع على ما هو عليه؛ اي ان هناك احتلال امريكي وتركي للأرض السورية، والبلد مدمر ويخضع للعقوبات الامريكية التي تحتل قواتها الارض السورية وبالذات التي فيها النفط والغاز. لم يحدد البيان الوسائل او الادوات التي بها يساعد الشعب السوري على التخلص من الاحتلال التركي او الامريكي، وماهي الآلية لمواجهة امريكا وتركيا وماهي وسائل الضغط على الدولتين؛ لمساعدة سوريا في تحرير ارضها من احتلال هاتين الدولتين. وماهي السياسة التي يتبعها العرب او قل الانظمة العربية في مساعدة الشعب السوري، في بناء نظام ديمقراطي حقيقي؛ يلتف حوله الشعب السوري؛ تمهيدا لأعمار سوريا. البيان خلى بالكامل من اي ألية او منهاج عمل في هذا الاتجاه. أم ان النظام السوري سيظل كما هو من دون ادنى تغير؛ ويجري تفكيك المعضلات من خلال المقايضات وهي اذا كان هذا هو المسار من الحلحلة، فهو هنا سيكون محفوظا في الحقائب السرية. نفس الوضع ينطبق تماما على اليمن وليبيا ولبنان، ولو بطريق ومسار واتجاه مختلف عن سوريا، ولكنه ايضا في ذات الخانة، وحركته في عين الاطار السياسي والاقتصادي. ان اي بيان ولأي قمة او مؤتمر اذا ما كان فارغا من خطة عمل ومنهاج عمل محدد ومعروف ومتفق عليه من قبل الجميع او قل من اغلب المجتمعون؛ يعتبر مؤتمرا الغرض منه هو الترويج والاشهار والاظهار لناحية التوافق والاتفاق من دون ان يكون له وجود على ارض الواقع اي انها للأعلام فقط، حتى وان كانت النية عند البعض للخروج بشيء ما يغير الاوضاع نحو الاحسن او ايجاد طريق للتضامن العربي. الأمر اللافت في هذا المؤتمر؛ هو دعوة الرئيس الاوكراني لحضور جلسات المؤتمر، وهنا يتبادر الى ذهن المتابع؛ ما هو مسوغ او الاسباب التي دعت ولي العهد السعودي في توجيه هذه الدعوة؟ هل هي لمغازلة الولايات المتحدة؟ أو هل هي تسويق للمملكة العربية السعودية، كلاعب اقليمي ودولي؟ بعد ان نجحت وساطتها في تبادل الاسرى بين روسيا واوكرانيا في وقت سابق من هذا العام. المحلل الاقتصادي والسياسي الروسي، إلكسندر نازاروف،في تحليل هذه الدعوة، قال عنها؛ هو انها دعوة رمزية ليس اكثر او اقل لناحية سعي ولي العهد السعودي على ابراز دور المملكة العربية السعودية في المجالات العربية والاقليمية والدولية. الرئيس الاوكراني طرح في خطابه امام مؤتمر العرب؛ خطة اوكرانيا للسلام والتي تتكون من عشرة بنود، طالبا من الملوك والرؤساء العرب التعامل معها كحل وحيد للسلام مع روسيا او لأنهاء الحرب مع روسيا؛ على اعتبار ان السعودية بالإنابة عن العرب، سوف تقوم بدور الوساطة بين اوكرانيا وروسيا، يأتي هذا في الوقت الذي عجز العرب او الانظمة العربية وفي اولها المملكة العربية السعودية من وضع الحلول لمشاكل وحروب العرب، داخل كل دولة على حده، بمعونة ومساعدة الفاعل السعودي او غيره، الحرب في اليمن مثلا. نعود الى بيان المؤتمر، ونسأل؛ كيف يصبح التضامن العربي واقعا يتحرك على الارض بوضوح للشعوب العربية من دون تحديد مسارات تقود او تؤدي الى رص الصفوف وانتاج الحلول؟. ان هذا يعني ان المؤتمر ما هو الا ميدان للتباري والمنافسة في الخطب، وليس لتخليق واقع عربي جديد ينهي هذا التمزق والضياع في عالم يتحول او يتغير بسرعة رهيبة ومخيفة في الوقت عينه. اكبر مثال على هذا؛ هو ان المؤتمر لم يستغرق سوى ساعات هي ساعات الخطابات والولائم. أما من ناحية القضية الفلسطينية يقول فيها بيان المؤتمر؛ يجب وضع حل للقضية الفلسطينية على اساس المبادرة العربية التي مضى على طرحها اكثر من ثلاث عقود وفي كل مؤتمر قبل هذا المؤتمر؛ يطرح ذات الرؤية الا وهي حل الدولتين على وفق ما جاء في بنود المبادرة العربية، لكن اي من هذا لم يحدث ولم يقم العرب بما يُجبر الدول العظمى والكبرى الفاعلة في السياسة الدولية وبالذات امريكا والغرب وحتى روسيا والصين؛ بالضغط على اسرائيل كي تأخذ هذه المبادرة على محمل الجد، اي ان تتعامل معها بجدية او بطريق اكثر وضوحا في التعامل مع الانظمة العربية صاحبة المبادرة باهتمام وجدية، إنما لجهة الواقع ان الانظمة العربية لم تمارس هذا الدور او انه لم يخطر على بالها او اهتمامها ان تمارس الضغط على الفاعلين في السياسة الكونية والداعمين لإسرائيل، واستخدام اوراق الضغط التي هي في حوزتها ( لأنظمة العربية) وما اكثرها ان ارادت فعل او تفعيل هذا الدور باستخدام هذه الاوراق. ان مخرجات هذا المؤتمر لا تختلف عن المؤتمرات التي سبقته، الا من جانب واحد؛ هو تسوية الاوضاع او الخلافات مع دول الجوار الاسلامي، ايران وتركيا؛ علما ان الدولتين لمصالحهما تبذلان جهودهما في هذا المسار، وهذا هو الامر الصحيح والسليم، إنما يجب ان لا يكون على حساب مصالح الشعوب العربية. ان هذا لا يعني باي حال من الاحوال ان المرحلة المقبلة سوف لن تشهد نشاطا باتجاه التفكيك والحلحلة، بل ان العكس هو الصحيح، لكن ليس كما ورد في البيان من دعم للتضامن العربي، وحل الدولتين، وتسوية الاوضاع في اليمن وليبيا بما يحفظ وحدة الاراضي لتلك الدول العربية، او بما يحفظ للشعب السوري حقه في الحرية والديمقراطية. ان الانظمة العربية سواء في الخليج العربي او الدول العربية الأخرى؛ سوف تتعامل مع الاوضاع ومتغيراتها، كل دولة عربية على حده، حسب ما يفرضه عليها الواقع الاقليمي والدولي وحسب علاقتها الاقليمية والدولية وارتباطاتها في هذين الفضاءين؛ بصرف النظر عن مصالح شعوبها التي يفترض بهذه الانظمة انها تمثل مصالح الشعوب العربية.