من الجميل جدا ومن نعم الله سبحانه وتعالى علينا بعد زوال الطاغية أن اتسعت الحركة القرآنية على أيدي المؤمنين وتجلت بوضوح في تعلم وتعليم أحكام التجويد وهو أمر جيد في نفسه ، بيد أن الوقوف عند هذه النقطة في أغلب المجالس القرآنية التي حضرتها كان هو السائد فيها ، وما ينبغي علينا عمله هو أن نتقدم خطوة إلى الأمام في الوقوف على بعض الآيات القرآنية والتدبر فيها خلال إقامة هذه المجالس القرآنية ، ولو تمعنا في القرآن الكريم لوجدنا أمورًا مهمة بهذه الصددد منه : 1- أننا لم نُكلف بقراءة القرآن فحسب وإنما هو مقدمة للتدبر في مضامين آياته ؛ قال تعالى (( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا – النساء – الآية – 82 )) و (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا – محمد – الآية – 24 )) وأسماه قولا على السابقين (( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ – المؤمنون – الآية – 68 )) و (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ – ص – الآية – 29 )) والآية الأخيرة اقترن التدبر بلام التعليل ؛ وهو ما يُشير إلى غاية إنزال القرآن هو التدبر فيه و جعله مقدمة للتذكر وسماهم بأولي الألباب فهل نحن من المتدبرين .2-التدبر في الآيات السابقة يضع بين أيدينا حقيقة مهمة نصل إليها من خلال ملاحظة أن الأفعال ( يتدبرون ) مرتان و ( يدبروا ) و ( ليدبروا ) وردت غير مقترنة بحرف الجر ( في ) الدال على الظرفية ، وهو ما ييشير إلى مسألتين : الأولى : أن التدبر لايحتاج ألى مؤونة كبيرة وتكلف وجهد من المتدبر وغاية الأمر أن يمعن النظر في الآية الكريمة بعض الشيء ليصل إلى معان هي في المتناول ، ولو كان الحرف (في) مقترنا بهذه الأفعال لكان في دلالته أن يُبذل الجهد للوصول إلى التدبر ، إذن تدبر القرآن أمر يسير وليس فيه مؤونة كبيرة . الثانية : أن التدبرينبغي أن يكون في القرآن كله ؛ وقد يُشكل علي ( بأنه قد قلت سابقا أن التدبر يسير والآن تجعل التدبر في القرآن كله فكيف يكون الأمر ؟ ) ، التدبر في كل القرآن بمعنى أن التدبر في الآية محل البحث فقط لن تكون نتائجه ومعطياته الدلالية قريبة من الصحة مالم تُعرض على أياتٍ أخر متشابهة لكي نبتعد عن التناقض ولكي نكون خارج دائرة ( يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ) لأن القرآن هو مدونة واحدة متكاملة صادرة من الحكيم الذي وضع كل شيءٍ في موضعه ، هذه دعوة لكي لانُشمل بدعاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا – الفرقان – الآية – 30 )) .