18 ديسمبر، 2024 11:53 م

لا تنتظر ظهور ملائكة في دنيا السياسة

لا تنتظر ظهور ملائكة في دنيا السياسة

منذ بداية التاريخ البشري وحتى الآن ظلت السياسة في معظم الأحيان لعبة قذرة ومن العسير أن يسلم الشرفاء من قذارتها فالخائض في الوحل لابد أن يعلق برجليه، إن لم يكن بثيابه، بعض الوحل ولكن عليه أن يغتسل جيدا بعد الخروج لكي يزيل آثار ما علق برجليه أو ثيابه . ليس هذا تبريرا لمجاراة السياسيين السيئين في أسلوب لعبهم السئ ولكن لتأكيد ضرورة الاجتهاد دائما في تنقية الأجواء السياسية من الانزلاق إلى الوحل في مجاراة المسفين والمخادعين ولإلقاء نظرة موضوعية وواقعية على طبيعة السياسة والطبيعة البشرية حتى لا ننتظر ظهور ملائكة ولا أنبياء في دنيا السياسة . فالملائكة في سمائهم يطيعون ربهم ولا يعصون أوامره والأنبياء عبر التاريخ لم يسلموا من الاتهام بممارسة السياسة الخشنة سواء من معاصريهم أو المؤرخين . نظرة عامة وسريعة إلى التاريخ تدل على أن التاريخ كله سلسلة لا تكاد تنقطع من الحروب والدسائس والمؤامرات أصحاب أرفع المذاهب الإنسانية يبررون قتل الإنسان، إما من أجل الله أو من أجل الإنسان!!
السياسي غير الداهية يمكن أن يكون ساذجا، سذاجة أبي موسى الأشعرى إزاء دهاء عمرو بن العاص . الفتنة الكبرى علامة برزت في التاريخ الإسلامي ودلالة على انتصار الدهاء على المبدئية والأخلاق . قال الإمام علي مخاطبا معاوية: والله ما أنت بأدهى مني ولكن الإسلام قيدني ولم يقيدك , ملوك بني أمية صعدوا إلى الملك بعد تصفية أل البيت ومع ذلك ذهبوا في التاريخ بوصفهم قادة الفتوحات الإسلامية ومؤسسي الأمبراطورية الإسلامية ولا يزال هناك من يمجدهم. رغم مأساوية التاريخ البشري عموما لحسن الطالع هناك صفحات كثيرة مشرقة من تاريخ الملوك والحكام العادلين وأوقات نعمت فيها الحياة البشرية بفترات من السلم والرخاء والسلام وظلت القافلة البشرية تخرج رويدا رويدا من سياسات معاوية وبنيه وسياسات بسمارك واستالين وهتلر وموسوليني وصدام إلى السياسة في عهد دولة المدينة الديمقراطية منذ عهد اثينا إلى عهدنا الحاضر، حيث ربيع الديمقراطية العربي حيث تواجه الشعوب العزلاء إلا من إيمانها بحقها في الحرية والحياة الكريمة جيوش الأنظمة العسكرية وأجهزة مخابراتها متأسية في ذلك بكفاح شعوب أخرى ظلت تناضل في طريق الديمقراطية طوال أكثر من قرنين حتى استقر لبعضها ما أرادت وبعضها لم يستقر لها ما تريد حتى الآن.
المتابعون للحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية وعلى وجه الخصوص الحملات الأمريكية لابد أنهم لاحظوا الكمية – الهائلة أحيانا – من التراشق بالوحل بين المتنافسين سواء من داخل
الحزب الواحد أو الاحزاب المختلفة ولابد أنهم لاحظوا كيف تلعب إعلانات نصف الدقيقة المدفوعة الأجر على التلفزيون والتي كثيرا ما تحتوي على أنصاف حقائق ،بل على أكاذيب بحتة أحيانا، دورا أكثر تأثيرا في تغيير مواقف الناخبين من البرامج السياسية للمرشحين.
نعم هناك فرق كبير بين الديمقراطية في أوروبا والولايات المتحدة وفرق أكبر بين الديمقراطية في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية , ديمقراطية أوروبا خاضعة لإرادة الشعوب بقدر كبير بينما تخضع ديمقراطية أمريكا لأصحاب رأس المال إلى حد كبير الديمقراطية في البلدان النامية وبعد مائتي سنة من استقلال بعضها مثل دول أمريكا اللاتينية لا تزال تتعثر أو تنتكس إلى العهود العسكرية ولكن الديمقراطية في أوروبا نفسها لم تخل من ديماغوغيين من أمثال جان ماري لو بين يلعبون على ورقة العنصرية وكراهة الأجانب والبطالة ويؤثرن على قطاع ليس بالصغير من الرأي العام . الديمقراطيات الاجتماعية في شمال أوروبا حققت دولة الرعاية الاجتماعية في أقصى مدى لها، ولكنها بدأت تظهر على العاملين فيها علامات الكسل والدلع الزائد وأصبحت قدرتها التنافسية في السوق العالمية المفتوحة تتناقص في الجانب الآخر، حققت ديمقراطية الولايات المتحدة قدرة النظام الرأسمالي على النمو في أقصى مدى له، وهي قدرة لا يضارعها نظير ولكن ما يصحبها من سوء في توزيع ثمرات ذلك النمو يجعله يشبه با لنمو السرطاني . نمو من أجل النمو، من أجل الأرقام وهيمنة حفنة أوليغاركية على موارد العالم.
النظام الأمريكي الآن مغرق بالديون وعلى وشك الإفلاس. ولم يجد سبيلا لتخفيف العجز في ميزانيته إلا بتخفيض البرامج الاجتماعية: التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، فطفق يخفض عدد المدرسين بينما تنزلق مستويات التعليم في الولايات المتحدة إلى ما دون نظيراتها من الدول الصناعية جميعا، في الرياضيات والعلوم .
كيف تخرج بلداننا إلى حيز الديمقراطية النظيفة في عالم اليوم؟ بل كيف يخرج، في المقام الأول، من قبضة نظام المحاصصة المدمر؟ هذا السؤال لا ينفصل عن ممارسة الديمقراطية فعلا ومعنى وتنميتها في كل تنظيم يزعم أنه ديمقراطي ولا يمكن أن نحلم بديمقراطية حقيقية وليس في بلدنا حزب ديمقراطي واحد بمعنى الكلمة.السؤال عن الديمقراطية سؤال يتعلق بجوهر السؤال المشروع عن البديل. في الواقع إن الديمقراطية التي كانت تمارس في العراق كانت ديمقراطية صورية وليست حقيقية فالديمقراطية كما أوجز تعريفها ابراهام لنكولن :هي حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب غير متوفرة وما بقي من اسم الديمقراطية ليس ألا سراق قوت الشعب وعدوهم بالحياة الرغيدة حققوقها لانفسهم في بلدان بعيدة وتركهوم تحت نير امراء الحرب .