23 ديسمبر، 2024 1:52 ص

أجد من واجبي أن أتحدث بصفتي الشخصية هذه المرة خلافا لعادتي في أغلب مقالاتي السابقة، فأعرض عليكم واحدة من أهم الصفات الخاصة بالدكتور برهم صالح انطلاقا من صداقة امتدت سنين طويلة نقية وبعيدة عن أي مؤثر غير رباط العلاقة المُبرءة من عيب.

في آب/ أغسطس 2016 كتبت مقالا بعنوان (كاكه برهم ليش؟) وتوقعت أن يكون نهاية تلك الصداقة، ولكن ما كان يحدوني لنشره كان أهم من صداقة شخصية من أي نوع ومع أيٍ كان. واسمحولي بإعادا نشر المقال لندخل في الحديث عن الرجل الذي دخل القصر الجمهوري هذه الأيام، وينتظر منه العراقيون والعرب والكورد الكثير مما في طاقته أن يفعل، ومما لا طاقة له به.

__________________________________________________

بعض ما ورد في المقال:

“إلى أمدٍ قريب كان الظن أن آخر طموح الاستعمار الفارسي هو اقتطاع الجنوب العراقي الشيعي وضمه لدولة الولي الفقيه. لكن الذي أثبتته تجارب ثلاث عشرة سنة أن الطمع لا حدود له. ومتى تنتهي جاجات من ليس يشبعُ؟. فقد تبين أنه يعمل، بكل الوسائل، حلالها وحرامها، لإطباق ذراعيه على مدن السنة التي يخرج داعش منها، وأنه يتخذ من محاربته المزعومة للإرهاب غطاءً خادعا لشراهته السياسية والعسكرية والطائفية التي لا تحدها حدود. والحقيقة أن عتب العراقيين كان فقط على شيعة العراق (المستفرِّسين) الذين جعلوا أنفسهم سكاكين تأتي من (جنوب) الوطن و(شرقه) لتنغرز في خاصرة أشقائهم العراقيين، شيعة وسنة. ولكن لم يكن واردا في الحسبان أن يتطوع قادة كردستان العراق، لأن يصبحوا السكاكين الأخرى التي تنغرز في خاصرة الوطن الثانية.
وقد جاءت البشارة بهذه الطعنة الجديدة من أحد القادة الذين كنا إلى عهد قريب نعده أخلص أصدقائنا، وطنيا عراقيا أصيلا وديمقراطيا صادقا يرفض الغدر بأشقائه، ويأنف أن يكون عميلا لأحد، مهما كان وأيا كان. 
فالدكتور برهم صالح النائب الثاني لرئيس الاتحاد الوطني الكردستاني كان طيلة السنوات الماضية يتمسك بوطنيته العراقية، مع اعتزازه بكرديته، وينأى بنفسه عن الشلل السياسية الفاسدة، وجعلنا نثق بعلمانيته وديمقراطيته، إلى حد أننا علقنا عليه آمالا كبيرة في أن يصبح رئيس جمهوريتنا، برغم علمنا بأن أي رئيس جمهورية، تحت سيوف الولي الفقيه، لا يستطيع أن يمارس صلاحياته كها، ولكن على الأقل كنا نريد أن يكون لنا صوتٌ شريف في القصر الجمهوري، بدل هذا الذي لا يفوّت فرصة لإهانتنا، ونفاق أعدائنا، ولا يستحي.
أكد برهم صالح أن الجمهورية الاسلامية الايرانية تضطلع بدور هام للغاية في مكافحة الارهاب”. وقال “إننا نعتبر الجمهورية الاسلامية الايرانية حليفا استراتيجيا بالنسبة لنا.”
وقال أيضا: “قوات البيشمركة الكردية والقوات العسكرية العراقية والحشد الشعبي في هذا البلد أيضا لديهم دور هام للغاية في محاربة الارهاب، وفي هذا السياق فان الدعم الذي تقدمه الجمهورية الاسلامية الايرانية، على جميع الاصعدة، يحظى بأهمية بالغة“.
طبعا، مفهومٌ جدا أن الدوافع التي تجعل كاكا برهم وغيره من قادة الإقليم يجاملون إيران وتركيا هي لدفع شرورهما ونواياهما. على أساس: (إبعد عن الشر وغني لو). ولكن الإغراق في العلاقة إلى حد أن تصبح إيران “صاحبة الدور المهم في محاربة الإرهاب”، ويصبح الحشد الشعبي “قوة وطنية يحارب الإرهاب” ليس سياسة ولا ديبلوماسية، بل هو اقتناع ظاهر ومبرم بتفسير
بصراحة، إن الحزن العميق الذي تشعر به الملايين من العراقيين، بكل طوائفها وقومياتها وأديانها، ينبع من الخوف على المواطن الكوردي قبل شقيقه العراقي الآخر، من أن يظل كرة تتقاذفها أقدام الكبار“.

___________________________________________________
  وعلى الفور جائتني الرسالة النصية بالإيميل من كاكه برهم:

21 أغسطس 2016

مودتي و محبتي، 

قرأت تعليقكم الأخير أيها ألاخ العزيز. كن واثقا لم أكن الا حريصا على مستقبل الوطن المبتلى بهذه الكوارث و الفواجع،  ففي المقابلة تأكيد صريح على ان الحل في بغداد و ليس في انقرة و لا طهران و لا في واشنطن، و انت لبيب و تفهم حتى اقل من الإشارة!  لا أخفيك انني مع علاقات حسن جوار مع ايران و تركيا، و لاشك ايضا مع الجوار و العمق العربي،  و ارى ضرورة عدم تكرار مآسي الماضي والانجرار نحو متاهات الشعارات القوموية و لا اريد لبلادنا ان تكون ساحة تصفية حسابات الآخرين كما هو حالنا اليوم، و ان مصلحة العراق و كردستان تكمن في علاقات متوازنة مع الجيران.فاليوم نحن احوج ما نكون الى تفاهم داخلي جدي  وتوافق اقليمي  لاستئصال هذا الورم الخبيث المتمثل بداعش و اخواتها، و هذا يتطلب حلا جذريا لمشاكل العراق و الذي ينتقل من أزمة الى أزمة اخطر، 

ارى في نقدك محبة، و أتمنى عليك ان تقرأالمقابلة مرة اخرى بتمعن، وان شاءالله ستكون من العباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه! 

و لك كل المحبة و التقدير والاشتياق من اخيك،  

برهم 

__________________________________________________

ورددت عليه بهذه الرسالة:

22 أغسطس 2016

أشعر بحزن كبير لأنني قد أكون قسوت عليك وسببت لك بعض الألم،

سامحني واعذرني 

أفهم جميع دوافعك النقية، وأقدر اضطراركم لإقامة العلاقات النافعة والضرورية التي تحتاجونها مع دول الجوار، ومنها، وفي مقدمتها إيران، خصوصا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها كردستان والعراق معا

وحديثك عن أهمية إيران وأهمية تطوير العلاقة معها في جميع المجالات لا غبار عليه، ولا يلومك على إعلانه غير جاهل أو حاقد.

فقط لم أكن أريد أن أجدك تتورط بتخريب الصورة الجميلة التي حفرتها لنفسك في قلوب الملايين من العراقيين العرب قبل الكورد بأخلاقك وثقافتك ونزاهتك وعراقيتك التي أثق بأنها لا تقل عن كورديتك.

فاعتبار إيران تحارب الإرهاب، والحشد الشعبي قوة وطنية تحارب الإرهاب، حتى لو كان في هذا التوصيف بعض الحق من وجهة نظرك، فهناك ملايين العراقيين والعرب الذين أحبوك يرونها إرهابا لا يختلف عن إرهاب داعش في كثير من الوجوه. 

قد نختلف كثيرا في هذه المسألة،  ولكن الذي لا تنكره أنت، قبلي أنا، أن إيران خربت العراق، وضيعت عليه حياته الآمنة المستقرة، وما زالت تواصل تخريبه، على الأقل بتبنيها ودعمها للمالكي والعامري والجعفري وباقي الشلة التي دمغها بالخيانة حتى المرجعية الشيعية ذاتها.

أخي الكبير 

تبقى أخي الكبير مهما قلتُ فيك ومها قسوت عليك، فلا أنسى أنني دخلت بيتك، وأكلت من زادك وملحك. 

أنا المبشر بك دائما وبمستقبلك ومستقبل العراق على يديك وعلى أيدي أمثالك من الشرفاء

أرجوك أن تعيد صناعة صورتك الجميلة في قلبي وقلوب الملايين.

ورسالتك هذه دليل آخر على رقيك ولطفك وكرمك.

مودتي وإخلاصي لك وللاسرة الكريمة ولكل شعب كردستان الذي أحببته وعشت معه وخبرت طيبه وكرمه اللذين لا حدود لهما

أخوك إبراهيم

____________________________________________

والآن وقد دخل الدكتور برهم القصر الجمهوري أشعر بكثير من القلق عليه من الآمال الهائلة التي يظن الشعب العراقي أن في إمكانه تحقيقها بضربة سيف واحدة، حتى وهو مقيد بعشرات القيود والحدود، مع العلم المؤكد بأنه ليس من خامة المشاكسين والمكاسرين، إذ إنه رجل مسالم، رقيق الحاشية، لطيف المعشر، يميل دائما إلى تطبيق مبدأ الرئيس بورقيبة (خذ وطالب)، وبالتي هي أحسن، وبالابتسامة التي تليّن الحديد إلا لدى الأقوى من الحديد. فاعذروه ولا تظلموه.