شهدت الأسواق العالمية هبوطا حادا بأسعار المشتقات النفطية بسبب انخفاض أسعار النفط الخام ، ولكن وعلى نهج المثل الدارج ( خالف تعرف ) قامت وزارة النفط بإصدار تعليمات بزيادة أسعار الكاز المباع للمشاريع الصناعية المجازة بنسبة تقترب من ١٠٠٪ ، حيث أصبح سعر لتر الكاز ٧٥٠ دينار بدلا من سعره السابق البالغ ٤٠٠ دينار ، وشملت الزيادة جميع الصناعيين من شركات وأشخاص من القطاعين المختلط والخاص ، بل وان هذه الزيادة ستشمل المزارعين والفلاحين وجميع قطاعات المجتمع الإنتاجي التي تعتمد على وقود الكاز في التشغيل ، بما فيهم أصحاب المولدات في ظل وضع الكهرباء المأساوي والذي يصعب مداواته في القريب العاجل من الزمان ، ويفسر المتضررون أسباب هذه الزيادة بأشكال شتى وآراء متباينة ، فالبعض يعتقد إنها جاءت بقرار لم يراعي ظروف القطاع الخاص الذي يتطلب الرعاية والاهتمام لتنويع مصادر الدخل القومي وتعويض الاستيراد بالمنتج المحلي ، وهي مخالفة جدا لدعوات المرجعية الشريفة وبنود حزم الاصلاحات ، والبعض الآخر يعتقد إن هذه الزيادة تم إقرارها وتمريرها كمحاولة لإفشال جهود وزير النفط الحالي السيد عادل عبد المهدي لتحريض الشارع ضده وإخراج المظاهرات كي تطالب بإقالته ، ويعتقد آخرون بان وزارة النفط ربما تنفذ أجندة (غير معروفة ) لتدمير ما تبقى من الصناعة العراقية وإجهاض المحاولات الحكومية الرامية للنهوض ولإنعاش هذه الصناعات ، والبعض يقف في حيرة من أمره فيقول هل من المعقول أن تقوم الحكومة برفع تكاليف القطاع الخاص وأسعار السلع المستوردة ( من المنشأ ) تنخفض يوما بعد يوم بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية ؟.
وأي كان التفسير( صحيحا أو غريبا ) لزيادة الأسعار لمادة غاية في الأهمية لتشغيل القطاعات ألأساسية في الإنتاج ، فان المتضررين يدعون الحكومة أو وزارة النفط بإلغاء هذه الزيادة غير المعقولة في أسعار الكاز ، لأنه من باب الواجب الوطني تقديم الدعم والمساعدات الممكنة للنهوض بقطاعي الصناعة والزراعة وليس القضاء على المتبقي منهما باستخدام مثل هذه القرارات التعسفية ، ونعتقد جازمين بأنه يتوجب من المكلفين بتطوير قطاعي الصناعة والزراعة (السيد باسم أنطوان والسيد حسن التميمي ) ، أن يوضحا للرأي العام هل إن هذه الزيادات في أسعار الكاز تدخل من ضمن مقترحات لجنتيهما التي حصلت موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء عليها ؟ وإذا لم تكن من ضمن مقترحاتهما فكيف قامت شركة توزيع المنتجات النفطية بزيادة الأسعار وإعطاء انطباع للمتابعين بان مفاصل الحكومة العراقية تعمل كل منها بمعزل عن الأخرى وكيفما تشاء بحيث إن كل واحد يعمل ضد الآخر ، إننا نحترم تصريحات المسؤولين في الحكومة ونعتقد إن الكلام عن تطوير الصناعة والزراعة ليس خدعة وتخدير وتضليل ، لذا فان وزارة النفط إن لم تراجع نفسها وتلغي هذه الزيادة وتساءل ( المسؤولين ) عن أسبابها وجدواها وتوقيتها ، فإنها قد تكون مادة للانتقادات القادمة ، سيما وان العراقيين من صناعيين ونقابات عمال وعاملين لن يسمحوا بإعدام الصناعة العراقية وتشريد منتسبيها لأكثر من هذا الحد ، فالكل يتذكر الزيادة التي حصلت في أسعار المنتجات النفطية سنة 2005 والتي أدت إلى التضخم وعجز الأسعار المحلية عن مواكبة أسعار الاستيراد , والتي أدت لإرتفاع نسبة الفقر لمعدلات لا يمكن أن يقبلها الضمير العراقي .
إن ما يشهده العراق بخصوص الاختلاف في القرارات وعدم توازن بعضها مع البعض ، يدعوا البعض للتساؤل هل نحن نعيش في دولة أوان بعض الدوائر والوزارات تحاول أن تحول بعضها إلى ( بيروقراطيات ) ، فهل يعقل بان تخصص اجتماعات ومناقشات بأعلى المستويات لدعم القطاع الخاص من خلال توفير 5 تريليون دينار تم اقتراضها من الداخل والخارج لدعم الصناعة والزراعة والإسكان ثم يسري قرار بزيادة أسعار الكاز ، فهذه الزيادة ستجعل المستثمرين أو المقترضين من المصارف الصناعية والزراعية والإسكان عاجزين عن السداد والإيفاء بالتزاماتهم بموجب التعهدات ، لان تكاليف الإنتاج مرتفعة مما يجعلهم في احتمالي الخسارة أو عدم تحقيق الأرباح ، ومن الغريب جدا أن تتمتع اغلب دول العالم المستهلكة للنفط والمنتجة له بمزايا انخفاض أسعار النفط من خلال تخفيض أسعار المنتجات النفطية وما يترتب عن ذلك من انخفاض في أسعار السلع والخدمات وزيادة القدرة الشرائية لهم ، في حين إن العراق وهو ثاني اكبر منتج للنفط في منظمة أوبك ، يعد من اكبر المتضررين من انخفاض الأسعار مرة بانخفاض إيرادات الموازنة عالميا ومرة من رفع أسعار المنتجات النفطية محليا ، وكأن المعنيين يعاقبون العراقيين وهم ليست لهم أية علاقة بانخفاض الأسعار العالمية ، ومن ظواهر الاستفادة من الانخفاض هو تقليل أسعار المنتجات النفطية عالميا ولكن ما حصل هو العكس إذ حصلت زيادة في أسعار مادة الكاز التي تستخدم في العراق للأمور الإنتاجية ومنها الزراعة والصناعة والسياحة والنقل والمولدات ، وإذا كان المسؤول عن رفع السعر يعتقد بأنه سيزيد من إيرادات الدولة وقد قدم للموازنة الاتحادية خدمة جليلة ، فانه واهم كل الوهم لأنه يتسبب بالضرر من خلال انخفاض الناتج المحلي والدخل القومي وميزان المدفوعات ، وأي كان من اتخذ هذا القرار فمن واجبه الوطني إرجاع الأسعار إلى حالها وإلغاء الزيادة والعمل سريعا لخفض سعر الكاز لدعم الإنتاج المحلي .