23 ديسمبر، 2024 10:04 ص

لا تسّيسوا القضاء .. ولا تحاصصوه

لا تسّيسوا القضاء .. ولا تحاصصوه

باستثناء النظم التسلطية الدكتاتورية التي تكون فيها السلطة القضائية عسكرية تصدر احكاما عرفية جائرة باوامر مزاجية من السلطان اوتحت ضغوطات حاشيته وتاثير زبانيته المتنفذين ، احكام بطبيعة الحال غير خاضعة للتمييز ولا مستندة الى تشريع ، وهذا حال معظم دول العالم الثالث وفي مقدمتها الدول العربية ، باستثناء هذه السلطات الوراثية او الانقلابية فان السلطة القضائية مستقلة استقلالا تاما في الدول المتقدمة وحتى غير المتقدمة التي تبنت المشروع الوطني الديمقراطي لمنهج الحكم تشريعا وتنفيذا .
استقلالية القضاء في هذه الانظمة وصلت الى وضع رؤساء دول ووزراء ومسؤولين كبار في قفص الاتهام وصدرت بحقهم احكام تناسبت مع التهم التي وجهت اليهم واثبتتها الادلة والشهود ، والامثلة كثيرة وليس اولها الرئيس كلنتون الامريكي وبلير البريطاني واولمرت الاسرائيلي ولا اخرها الفرنسي دومنيك ستروس مدير عام صندوق النقد الدولي .
لم تتدخل السلطة التشريعية برلمانا او مجالس شيوخ ولا السلطة التنفيذية ولا مؤسسات مجتمع مدني ، مع ان جرائمهم لم تتجاوز التحرش الجنسي او استغلال النفوذ في سفرة اومشروع شخصي بسيط .
لم تكن جرائم ابادة جماعية اوضد الانسانية اونهب المال العام او تدمير الاقتصاد اوتخريب العمران والمشاريع .
القضاء العراقي بعد عملية التغيير صار من النوع الثاني ، سلطة مستقلة، لكن هذه الاستقلالية لم تكن كافية بما يتناسب وطبيعة المرحلة وتداعيات سقوط سلطة مستبدة والتحول المفاجئ الى ديمقراطية دول عمرها مئات السنين ، فضلا عن استهداف العراق وتجربته الديمقراطية من قبل قوى الارهاب والمجاميع المسلحة المدعومة اقليميا ودوليا ، الامر الذي يستدعي المزيد من الدعم للقضاة وتوفير الحماية اللازمة لهم بعد اختيار الكفوئين النزيهين منهم وتحصينهم ضد الرشوة وضد التاثيرات الحزبية المتنفذة .
مالا حظناه خلال السنوات المنصرمة من عمر التغيير : تعرض الكثير من القضاة للاغتيال والتهجير والتهديد والضغوط ، وعدم تنفيذ الاحكام الصادرة بحق الارهابين والمجرمين وتهريب معظمهم من السجون ، وتعالي الصيحات من هذا الجانب اوتلك الكتلة حال صدور حكم ادانة ، بل وصل الامر الى التهديد المعلن وعبر وسائل الاعلام المؤججة والمهولة مرئيها ومكتوبها ومسموعها – باللجوء الى العمل المسلح في حال تنفيذ حكم اعدام بحق بعض المدانيين .
ومن الطبيعي ان مامر ذكره من امور اضرت بالقضاء العراقي وافقدته بعضا من هيبته .
كان المفروض بالجهات التي لها راي بصدد احكام صدرت بحق اشخاص تشفع لهم خدماتهم للعراق ان يعرضوا ذلك على الجهات المسؤولة عن تنفيذ الاحكام ويقدموا موجبات شفاعتهم بعيدا عن الاعلام وعن اساليب التهديد فان ذلك ادعى لتخفيف الاحكام واحفظ لهيبة القضاء .