كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن موضوع التسوية التاريخية , خصوصا بعد بدء عمليات تحرير الموصل من قبضة داعش , وتصاعدت الدعوات لإجراء مصالحة وطنية حقيقية لمرحلة ما بعد داعش تمنع بروز الإرهاب والتطرّف وتمنع توفير المناخات والبيئة التي تساعد على نمو الفكر التكفيري المتطرّف , وتحافظ على العراق كدولة مستقلة وموحدة وذات سيادة , بمعنى تقديم مشروع للتسوية السياسية لمرحلة ما بعد داعش يكون أساسا صالحا لعراق متعايش وخال من العنف , وينجز السلم الأهلي ويوّفر البيئة المناسبة لبناء دولة يشارك فيها كل فئات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمجتمعية , مشروع يضع الجميع أمام التزاماتهم في إعادة بناء الدولة والمجتمع ومنع الإرهاب والتقسيم واللا أمن واللا فوضى واللا فساد واللا جريمة منظمة واللا محاسبة واللا عدالة .
ومن أجل عدم تكرار تجارب الماضي الفاشلة وضمان تسوية وطنية حقيقية تعيد للإنسان العراقي وطنيته الضائعة والتصاقه بتراب وطنه , فلا بدّ لهذه التسوية أن تنشا وتنمو وتتبلوّر من القاعدة , أي من رحم الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية بهذه التسوية والمصالحة , وليس من رأس الهرم , أي من القيادات التي ساهمت بشكل أو بآخر بهذا الشرخ الذي أصاب النسيج المجتمعي العراقي , فلا تسوية مع صنّاع الخراب والدمار , فالتسوية التي تعيد الذين أسسوا فتنة الاعتصامات وأسسوا المنظمات الإرهابية والذين تلّطخت أياديهم بدماء العراقيين والذين ساهموا بتأجيج مشاعر الكراهية ضد الجيش العراقي والمطلوبين للقضاء العراقي بتهمة الإرهاب , فإنّ مثل هذه التسوية ستكون مرحلة جديدة لإعادة انتاج الإرهاب والإرهابيين في العراق والمنطقة , ولهذا فلا بدّ من ضوابط لهذه التسوية تمنع إعادة انتاج الإرهاب مرة أخرى , ولا بدّ للمشمولين بهذه التسوية أن يكونوا مقبولين في مكوّنهم السنّي قبل أن يكونوا مقبولين عند الشيعة .
فليس من العدالة ولا من الحكمة أن يعاد انتاج من تسبب بكل هذا الخراب والدمار تحت مظلة التسوية التاريخية , وإبعاد من ضّحى وتصدّى للإرهاب وقدّم الغالي والنفيس بوجه هذا الإرهاب الأسود , فإذا كان الله سبحانه وتعالى لم يساوي بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد حتى لو كانوا سجدّا وقياما وبين المجاهدين بأموالهم وأنفسهم كما في قوله تعالى ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ) , فكيف لنا أن نساوي بمن كان سببا في هذا الخراب والدمار وبين من تصدّى بنفسه وماله للإرهاب ؟ فأي وثيقة للتسوية لا تستبعد صنّاع الخراب والدمار ومروجي الفتنة في ساحات الفتنة الطائفية , لا قيمة لها ولن يكتب لها النجاح وستذهب ادراج الرياح .