لماذا لا يُضحي عمار الحكيم برواتب 1596 من حمايته؟
لماذا لا تطالب بايقاف الرواتب التقاعدية للنواب؟
لماذا لا تطالب بايقاف رواتب حمايات نواب الشعب الكردي الشقيق ؟
لماذا لا يضحي سراق المال العراقي من الاموال التي سرقوها ؟
لماذا لا يضحي القائمين بالاستثمارات الدينية ؟
ما يحدث في بلدي بعد حكم الأحزاب التي تدعي إنها إسلامية وبعد أكذوبة الديمقراطية الأمريكية لا اعتقد انه حدث أو يحدث في أي بلد في العالم لا في الدول الإفريقية ولا الآسيوية ولا دول أمريكا اللاتينية ولا في الدول العربية ولا في الأنظمة الاستبدادية أوالديمقراطية الناشئة , طبقة سياسية فاسدة تحكم منذ ستة عشر عاماً أحرقت الأخضر واليابس في العراق سرقت كل أمواله ونهبت ثرواته ودمرت شعبه وأفقرته وجوعته وهجًرته وقتلته شر قتلة ,مارست كل أنواع التمييز الطائفي والعرقي وكل أنواع التهميش والإقصاء والإبعاد لمكونات أساسية من الشعب , ومارست أبشع عمليات الانتقام والاغتيال والاعتقال والحجز والتعذيب والخطف ضاربة عرض الحائط مبادئ حقوق الإنسان وقوانين الأرض والسماء , شرعت قوانين لا توجد مثلها في أي بلد في العالم , من يخدم أربع سنوات من هذه الطبقة السياسية في المناصب العليا والدرجات الخاصة ومجلس النواب ومجالس المحافظات ومجالس الاقضية والنواحي يحصل على تقاعد مدى الحياة والموظف والعسكري الذي لديه خدمة خمسة عشر عاما إلا بضعة أشهر لا يستحق التقاعد لذا وبعد ثماني دورات انتخابية تصبح ميزانية العراق وكل أمواله من وارداته النفطية وغيرها لهؤلاء المتقاعدين من الساسة فقط وليذهب الشعب الى الجحيم ,شرعت هذه الطبقة السياسية قوانين لرواتب ومخصصات وحمايات ومنافع وأرتال عجلات للسياسيين والمسؤولين في الحكومة والدولة ومجلس النواب والحكومات المحلية للمحافظات لا توجد مثلها في أغنى دول العالم تستنزف أكثر من ربع موازنة الدولة .
منح هؤلاء السياسيين أنفسهم امتيازات ما أنزل الله وما أنزلت القوانين والأعراف بها من سلطان , خدمة جهادية , رواتب سجناء ورواتب سياسيين زمن النظام السابق بالإضافة الى رواتبهم العالية في الدولة حتى أصبح الموظف السياسي أو الوزير يستلم ثلاث رواتب ناهيك عن المكافآت والإكراميات والايفادات والسرقات , ومنحوا محتجزي رفحاء حتى من ولد من أبنائهم خارج العراق بعد عام 1991 ولم يتكلم لغة العراق رواتب لا تصدق وبأثر رجعي من عام 2006 تكلف الدولة (32 ترليون) دينار سنوياً تكفي لبناء عشرات المستشفيات والمدارس والعمارات السكنية في كل سنة ,منحوا أعضاء مجلس الحكم والجمعية الوطنية وأعضاء مجالس النواب رواتب عالية جداً ومخصصات وحميات ورواتب تقاعدية حتى لمن خدم منهم تسعة أشهر أو بضعة سنين , استولوا على عقارات الدولة وعقارات أركان النظام السابق وسجلوها بأسمائهم وأسماء زوجاتهم وأبنائهم ,استولوا على أحسن الأراضي في بغداد والمحافظات بأسعار رمزية وأصبح لكل حزب مناطق كاملة في بغداد والمحافظات حصرية مسيجة ومحمية ,تقاسموا المناصب في الدولة والحكومة وفق المحاصصة الحزبية والطائفية بعيدا عن الكفاءة والاختصاص وهمشوا الأكاديميين والمهنيين وأبعدوهم عن خدمة بلدهم ليستأثروا بسرقة أموال البلاد والعباد , أهملوا تقديم أبسط الخدمات للشعب وهي الماء والكهرباء وسرقوا كل المليارات من الدولارت التي خصصت لهما وللخدمات الأخرى ,دمروا الصناعة وأغلقوا كل المصانع ودمروا الزراعة وتحولت الأراضي الزراعية الى قاحلة وبات العراق يستورد أبسط المستلزمات الصناعية والزراعية من دول الجوار بل ويستورد الماء من الكويت , دمروا التعليم بكل مستوياته واشاعو الجهل والأمية وأهملوا الخدمات الصحية والبلدية حتى أصبحت مدن العراق مزابل وأهملوا البناء والأعمار وسرقوا الأموال المخصصة لهما , حاربوا العلم والعلماء والأكاديميين والخبراء والأطباء والفنانين وهمشوهم واغتالوهم مما اضطر من بقى منهم للهجرة خارج الوطن , سيسوا القضاء وجعلوه رهن إرادتهم, وسيسوا الدين وخدعوا السذج والبسطاء من أبناء الشعب بأنهم حماة الدين والمذهب فأساءوا للدين والمذهب بعد أن وظفوه سياسياً لخدمتهم , باعوا أرض العراق ومياهه وبعض حقول نفطه العملاقة الى دول الجوار بثمن بخس .
السياسي تطبق علية نظرية دورة المناصب فهو وزير في دورة انتخابية وفي أخرى يصبح نائب وفي الدورة التالية رئيس هيئة أو مستشار وهو لا يفهم أو وكيل وزير أو سفير نفس الوجوه الكالحة يعاد صناعتها في كل دورة وكأن العراق لم ينجب العظماء والفطاحل إلا هؤلاء الفاسدين والفاشلين , خانوا الوطن والشعب وسلموا ثلث مساحة العراق لداعش لتستنزف قدرات العراق البشرية والاقتصادية والمالية وتدمر مدنه في حروب ومعارك ما كادت تكون لولا غباء وفشل وفساد وعمالة السياسيين والمسؤولين , في العراق الأمريكي راتب رئيس الجمهورية 60 مليون دينار(أعلى من راتب الرئيس الأمريكي والروسي والصيني ) وحمايته 4000 عسكري رواتبهم ومخصصاتهم وأرزاقهم وصرفيات عجلاتهم أكثر من مليار دولار سنوياً ومستشاريه بالعشرات وهم وزراء ومسؤولين سابقين ويتقاضون رواتب تقاعدية مع رواتب مستشارين ,رئيس جمهورية سابق خدم ستة أشهر يتقاضى راتبا تقاعديا 60 مليون دينار,رئيس وزراء سابق ثم أصبح وزيرا يتقاضى راتب رئيس وزراء متقاعد وراتب وزير وأمثاله كثر من الوزراء والمسؤولين , رئيس مجلس نواب اشترط عند إحالته الى التقاعد ان يكون راتبه بالدولار,الرئاسات الثلاث وموظفوها وصرفيات عجلاتها تعادل ميزانية عدد من دول الجوار وتستهلك نحو نصف ميزانية العراق.
أحزاب وكتل وسياسيين يسرقون أموال العراق ويهربون نفط العراق ويودعون أمواله المسروقة في بنوك العالم ويشترون الشركات والعقارات في عواصم العالم بأموال الشعب العراقي حتى باتوا من أغنى أغنياء العالم بعد أن كانوا حفاة جياعا والقضاء والادعاء العام ساكت .
ميليشيات نفوذها أقوى من الدولة وأسلحتها أكثر من الدولة ولا تأتمر بأمر الدولة بل بأوامر قادتها ودول الجوار ,العشائر نفوذها أقوى من الدولة وأسلحتها أكثر من الدولة تقطع الطرق بالنزاعات العشائرية المستمرة وتوقف عمل شركات النفط وتأخذ الإتاوات ولا تستطيع الدولة وأجهزتها الأمنية مواجهتها أو التصدي لها ,أسلحة متوسطة وثقيلة باتت لدى العشائر والعصابات والميليشيات وحتى المواطنين ورئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة يدعو لحصر السلاح بيد الدولة فمن يحصر السلاح لا احد يعرف ؟ يصدَر العراق أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون برميل نفط يوميا إيراداتها المالية أكثر من سبعة مليارات دولار(في الشهر ) ونسبة الفقر بين أبناء الشعب أكثر من 40 بالمئة ونسبة البطالة مقاربة لها وملايين من العراقيين لا يجدون مأوى وملايين مشردين ومهجرين وهناك أكثر من مليوني أرملة وأربعة ملايين يتيم ناهيك عن الشهداء والمعاقين من الحروب والعمليات الإرهابية والعجزة والشحاذين الذين يملئون شوارع المدن , المخدرات تفتك بشبابنا الذي دمرته البطالة وأصبح العراق منتجاً وممولاً وليس طريقا للمخدرات فقط في ظل حكم الأحزاب الإسلامية بعد ان كان خالياً من هذه الآفة قبل وصول هذه الأحزاب للحكم , بيوت الدعارة والنوادي الليلية تدفع إتاوات للأحزاب الإسلامية والميليشيات حتى تعمل بحرية ,نعم هذا وغيره يحدث في بلدنا والشعب طوال ستة عشر عاماً لا يتحرك ولا ينتفض وعندما يتظاهر ليطالب ببعض حقوقه يجابه بالرصاص الحي والاعتقالات والاغتيالات ,كبار الفاسدين والسراق فوق القانون محميين بأحزابهم وميليشياتهم لا الدولة ولا الحكومات ولا القضاء ولا احد يستطيع محاسبة الفاسدين من السياسيين الذين سرقوا أموال العراق وثرواته وأفقروا شعبه وجوعوه وقتلوه ودمروه ودمروا مستقبل أجياله وضيعوا العراق وقسموه عرقياً وطائفياً وجعلوه ضعيفا مفككا ذليلا وتابعا لدول الجوار, فماذا ينتظر الشعب ؟ينتظر رحمة الله والله تعالى يقول اسعى يا عبدي وأنا معك ولا يقول اجلس صامتا راضياً بذلًك ومهانتك وأنا انتقم لك نعم ان الله ينتقم من الظلمة والقتلة والمتجبرين واللصوص يوم القيامة لكن على الشعب ان يتصدى لهم في الدنيا ويتخلص منهم بل ويقتص منهم ويعيد كل ما سرقوه وكل ما نهبوه من أموال الشعب وثروات الوطن و يعيد لابناءه حريتهم وحقوقهم وكرامتهم ويعيد للوطن سيادته واستقلاله ودوره الطليعي عربيا ودوليا .
وبعد ان وصل السيل الزبى وبعد ان وصلت أحوال أبناء الشعب الحياتية والمعيشية حدا لا يطاق وحرموا من أبسط الخدمات الماء والكهرباء والوظائف وتزايد نسب البطالة والفقر وتفشي المخدرات والإمراض وانتشار الجريمة حتى حُرم أبناء الشعب من العيش بكرامة وحرية وظلموا وانتهكت حقوقهم وسُلبت أموالهم ونُهبت ثروات وطنهم من قبل السياسيين الفاسدين الفاشلين وأحزابهم وبعد أن عم الفساد والخراب والدمار البلاد خرجت شرائح واسعة من الشعب في البصرة وبعض محافظات الجنوب وفي بغداد مطالبةً بحقوقها المغصوبة وبحرياتها المنتهكة وان يعيش أبناء الشعب بكرامة وعزة في وطنهم بالاستفادة من أمواله الكبيرة وثرواته الطائلة التي بقيت طوال السنين الماضية نهبا للسياسيين الفاسدين وعوائلهم وأحزابهم و داعين الى محاربة الفساد ومحاسبة كل الفاسدين والخونة وإعادة أموال العراق التي نهبها الساسة الفاسدون وأحزابهم وعوائلهم ومقربيهم, لكن هذه التظاهرات جوبهت كسابقتها من قبل قوات الأمن بالعنف الذي وصل حد استخدام الأسلحة النارية وبالاعتقالات والاغتيالات حتى خفت وتيرتها ودون ان تنفذ الحكومة السابقة والحالية ابسط مطالبيها ونأمل ان لا تتوقف التظاهرات الشعبية في البصرة وبغداد وغيرهما إلا بعد تحقيق أهداف المتظاهرين ومطالبهم المشروعة التي أعلنوها في تظاهراتهم وقدموها للحكومات وبغير ذلك عليهم تصعيد تظاهراتهم لتتحول الى انتفاضة شعبية كبرى تدك عروش الفاسدين والفاشلين الذين دمروا الشعب وضيعوا الوطن وتقتلعهم من جذورهم بغير رجعة وتقدمهم للعادلة ليأخذوا جزائهم المستحق والعادل جراء جرائمهم وظلمهم وجورهم وفسادهم وسرقاتهم .
لا مكان لغير الفاسدين في حكم العراق.. تلك ليست فرية، فمنظمات دولية و مراكز بحثية ونخب سياسية وبرلمانيون سابقون و حاليون و مرجعيات ورجال دين، يصرحون سراً و جهراً و صباحاً ومساءاً بأن الفساد تمكن من الدولة، وأصبح خطراً يوازي خطر الارهاب، بل أن البعض لا يجد حرجا في الاعتراف علنا بفساده الشخصي وفساد مَن حوله من وجوه الطيف المشاركين في حكم البلد و تشريع قوانينه.
لكن المفارقة ان الشعب العراقي يمتلك من البراهين و الوقائع ما يغنيه عن الوثائق والملفات في معرفة اللصوص وفسادهم، ورغم انه الضحية الوحيد لكنه راضٍ بالامر الواقع و كانه “دجاجة عكفت على بيضها”.
انه لمن دواعي سرور الفاسدين ان يحظوا بمثل الشعب العراقي، فهو شعب محب للسلام بنفاق مع رؤوس الفساد بائسٌ كردود فعله.
لقد وضع الفاسدون نصب أعينهم أن يحولوا العراق كله إلى فأر اختبار لصفقاتهم و تجارتهم، وهذا ما فعلوه عبر سنوات سلطتهم الفالتة من أية رقابة، لم يتركوا مكانا في عراقنا الجديد والمتعثر إلا ونشروا الفساد فيه جاعلين منه مثلا اعلى لجميع اللصوص.
ما حصل للشعب العراقي بسبب الفساد الذي صار ظاهرة اجتماعية تعجز المنظمات الدولية المعنية بالأمر عن فهمه ولن تتمكن من القضاء عليه. فهو فساد يجري في الممرات السرية للكيان الاجتماعي كما يجري الدم في جسد الإنسان.
قد نسمع في عدد من البلدان وزيرا فاسداً او مسؤول محليا قام بمغامرة تجارية مستغلا المال العام. أما أن يكون موظفو الوزارة أو المؤسسة كلهم فاسدون، من الوزير إلى حراس الوزارة، فتلك بدعة تم استحداثها في العراق وحده، بل هي وباء جنوني اصاب حتى وزارة الرحمة والانسانية “الصحة” فكانت النتيجة هي ان غادرنا أضعف البشر على الاطلاق و اختاروا السماء لكي يكونوا طيورا بجنائنها، حرق عشرات الخدج من اجل سرقة 100 مليون دينار كانت مودعة في غرفة العقود بمستشفى اليرموك.
ادعت اللجنة الامنية ببغداد ان “الامن القى القبض على ثمانية من الفاعلين وبعض موظفي المستشفى المشتبه بهم بالتعاون مع المجرمين”، و قالت اللجنة ان “المتهمين دخلوا المستشفى بصورة طبيعية ولبسوا بعدها اللثام متوجهين الى غرفة العقود، كما اظهرتهم كاميرات المراقبة و من ثم قاموا بسرقة 100 مليون دينار واحراق الغرفة لإخفاء فعلتهم، من ثم تسرب الحريق عبر انابيب التبريد ليصل الى غرفة الخدج” ويحدث ما حدث لهذا المستشفى الذي انفق على تأهيله المستمر ما يعادل بناء اربع مستشفيات مثله حسب قول لحنة الصحة النيابية.
اذا كان الفساد انتشر حتى بين ضعاف النفوس من موظفي الدولة الموبوءة من رأسها الى أساسها، فلا تستغرب سقوط الرئاسات الثلاث في هذا الوحل الفاسد،.
سيقال إن هناك استثناءات، إذ ليس من المعقول ولا الانصاف أن يكون الجميع فاسدون، لابد أن يكون هناك إنسان شريف ونزيه ووطني ويخشى الله في خلقه، وهو اعتراض طبيعي كانت مافيات الفساد قد أجابت عليه من خلال اعتقال ذلك الشخص ملفقة له تهم الفساد أو الإرهاب وإذا لم يكن ذلك الإجراء ميسرا فإن الاغتيال لا يكلف شيئا في بلد يُقتل فيه الناس يوميا وبالعشرات، من غير أن تكلف الدولة نفسها في البحث عن الجناة.
لقد صنع رجال العملية السياسية من محدثي النعمة، مصدات بشرية تدين لهم بالولاء، فليس السياسيون وحدهم هم المنتفعين من الفساد. هناك قوة اجتماعية لا يمكن الاستهانة بحجمها تقف وراءهم وتساندهم وتدافع عنهم. ذلك لأن مصيرها ارتبط بمصائرهم، لذلك يشعر العراقيون بأن فضح عدد من عمليات الفساد ما هو إلا نوع من العبث، يعترف أحد أركان النظام العراقي القائم وهو إبراهيم الجعفري بأن الفساد قد تحول إلى ثقافة في المجتمع العراقي، فذلك يشير إلى اطمئنانه من أن أية محاولة لفضح الفساد ستبوء بالفشل، وذلك من خلال مقاومتها اجتماعيا، ما يجري في العراق هو ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ، فلقد صنع الفاسدون قاعدة اجتماعية تدافع عنهم. فالمالكي مثلاً استعمل الرشوة في شراء الولاءات الشعبية، وهو ما جعل منه السياسي الأكثر شعبية في العراق، هناك اليوم جيش من العاطلين عن العمل يدين بالولاء للمالكي، لا لشيء إلا لأن أفراد ذلك الجيش يقبضون رواتب خيالية وهم جالسون في بيوتهم.
أيمكن أن يُهزم الفاسدون في بلد يدافع فيه جزء لا يستهان به من مجتمعه عن الفساد؟
إن بلدا يحكمه هؤلاء السراق و اللصوص لن تكتب له النجاة ابداً
لم يكن لهدر المال العام وضياع ميزانية العراق شكلا واحدا قطعا، إذ باتت لهذه الظاهرة عدة أشكال بأساليب مختلفة وبطرق ملتوية، أبرزها -حسبما يرى مراقبون وخبراء- الرواتب الخيالية الفلكية للرئاسات الثلاث بالدرجة الأساس والوزراء وأعضاء البرلمان والدرجات الخاصة الأخرى.
وسجلت سنوات ما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 عدة صفحات في سجل الفساد للطبقة السياسية الحاكمة وهدرها للمال العام والاستحواذ على أموال الشعب والدولة وتمسكها بمناصبها وامتيازاتها واحتكار عوائلها والمقربين منها للمناصب والوظائف الحكومية ذات الامتيازات المالية والمعنوية.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي قضية رئيس الجمهورية الأسبق غازي عجيل الياور واعتراض محكمة التمييز على طلبه المتعلق بقرار إيقاف راتبه التقاعدي بموجب قانون التقاعد الموحد لعام 2014.
ويبلغ الراتب التقاعدي الشهري للياور -حسب ما تداولته تلك المواقع- 61 مليونا و680 ألف دينار عراقي (نحو 51 ألف دولار أميركي)، وكلّف مجموع الرواتب التقاعدية التي تقاضها لـ19 عاما من بداية 2004 ولنهاية 2019 ميزانية الدولة قرابة 11 مليار دينار عراقي نحو (9 ملايين و596 ألف دولار)، تضاف لها رواتب الحمايات والمخصصات الأخرى.
وتكمن مشكلة الشعب العراقي رغم حالات الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة اعتقاده بأن الامتيازات الرسمية للدرجات الخاصة العليا في الدولة هي المكسب الذي يتقاتل من أجله السياسيون، لكن الأمر يختلف خارج الأضواء.
وتزداد التجارة السياسية للمنصب في الدولة العراقية كلما شغلت منصبا أعلى في الحكومة، وأصبحت تمتلك عدة منافذ للتجارة الربحية، كما يرى المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي.
ويحتفظ العراق بأعلى رقم موظفين من أصحاب الدرجات الخاصة في العالم قياسا بعدد السكان من درجة مدير عام فما فوق في الوظائف المدنية، وجنرال عسكري برتبة عميد فما فوق في الوظائف العسكرية، محتلاً مراتب متقدمة عالميا من حيث ارتفاع أرقام هذه الرواتب.
ومع ذلك لا تشكل هذه الظاهرة ما يقدر بنحو 0.06% في الموازنة الرسمية للدولة، لكن مصادر الثراء الفاحش الذي حصلت عليه الطبقة السياسية وكبار موظفيها -كما يقول الصميدعي- لم تكن يوما من الرواتب والمخصصات الرسمية بالرغم من أن الأميركيين منحوا رواتب هي الأعلى عالميا عند تأسيسهم للنظام السياسي عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، مؤكدا أنها تجاوزت في الرئاسات ونوابهم وبعض الوزارات الأمنية مبلغ المليون دولار أميركي شهريا.
وجاء الثراء الفاحش للطبقة السياسية من استغلال موارد الدولة من خلال المراكز الحكومية للحصول على عمولات تتجاوز ملايين الدولارات شهريا، وقد تصل الأرقام إلى مليارات الدولارات.
وقد أشار السياسي الاقتصادي العراقي الراحل أحمد الجلبي إلى أن شركة عامة واحدة بإدارة مدير عام في وزارة التجارة قد اختلست ما لا يقل عن ملياري دولار في سنة واحدة وفي مادة واحدة وهي زيت الطعام بنهاية عام 2010!!
ويُشبّه الصميدعي المناصب السيادية العليا بأنها أشبه ما تكون بـ”المقاولات العامة”، مؤكدا أنها تدر عائدات بمليارات الدولارات في الدورة الواحدة من خلال الفساد وسوء استغلال السلطة.
ويحذر الصميدعي من أن الدولة على وشك الانهيار الاقتصادي بعد أن أصبحت مشكلة تسديد رواتب الموظفين والذين يعد عددهم الأكبر عالميا مقارنة بعدد السكان هي أهم المشاكل بسبب العجز المالي الكبير عقب انخفاض أسعار النفط الذي يشكل أكثر من 95% من الموازنة، وعدم بلوغ كل الإيرادات النفطية حاجز نصف مبالغ الرواتب العمومية فقط.
وتساءل الصميدعي “كيف لهذه الدولة أن تدير أمورها مع اقتراب انتهاء عصر النفط واختفاء النشاط الصناعي والزراعي والاستثماري بشكل شبه كامل من خارطة الدولة الاقتصادية؟”.
ويتقاضى رئيس الجمهورية راتبا شهريا قدره (50 مليون دينار) إضافة إلى 40 مليونا بدلات وضيافات أي ما يعادل 73 ألف دولار، فيكون ما يتقاضاه سنويا 876 ألف دولار، وفي 4 سنوات يصل إلى 3 ملايين و504 آلاف دولار.
أما رئيس مجلس الوزراء ونوابه فيتقاضون 40 مليون دينار عراقي إضافةً إلى 20 مليونا بدلات وضيافات، فيكون المجموع الشهري نحو 65 ألف دولار أميركي، وسنويا نحو 780 ألف دولار، وخلال 4 سنوات 3 ملايين و120 ألف دولار.
ويستلم رئيس مجلس النواب 35 مليون دينار عراقي معه 20 مليونا بدلات وضيافات شهريا، فيكون المجموع الشهري 55 مليون دينار عراقي أي ما يعادل نحو 44 ألف دولار، وسنويا تقريبا 528 ألف دولار أميركي، وخلال 4 سنوات يصل إلى مليونين و112 ألف دولار أميركي.
أما الوزراء فرواتبهم الشهرية تبلغ 20 مليون دينار عراقي، يضاف لها 15 مليونا بدلات وضيافات، فيكون المجموع شهريا 35 مليون دينار عراقي، أي ما يعادل 28 ألف دولار أميركي، وسنويا 336 ألف دولار، وخلال 4 سنوات نحو مليون و344 ألف دولار أميركي، حسب وسائل إعلام عراقية.
وبدأ أصل الفساد في العراق بتخصيص الرواتب العالية والخيالية التي منحها الحكام لأنفسهم مع المنافع والمخصصات الشهرية، كالمثال الذي ذكره رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية بأنه يستلم شهريا مليون دولار أميركي، وهو ليس راتبه وإنما مخصصات إضافية.
ولا توجد دولة في العالم تخصص مثل هذه الرواتب الفلكية لمسؤوليها مثل العراق، حسب الخبير الاقتصادي د. همام الشماع، قائلا للجزيرة نت إن مهام رئيس الجمهورية بروتوكولي تشريفي وأما نوابه لا واجب لديهم، لكنهم يتقاضون شهريا رواتب خيالية مع المخصصات والمنافع، ناهيك عن أعداد أفراد الحمايات والمركبات التي يشغلونها ومصاريفها.
وللدولة العراقية قرابة 5 آلاف مدير عام صعودا من الدرجات الوظيفية الأخرى، وهذا يشير بشكل واضح إلى هدر الموازنة بشكل عام، وعندما بدأت هذه الممارسات -كما يرى الشماع- بدأ الفساد يستشري في الدولة وأصبح المال سائبا لكل من هب ودب.
وليس من المعقول أن يحاول المستفيد تغيير الوضع ليتضرر ونادرا ما نجد أشخاصا أو مسؤولين يضحون بمصالحهم وامتيازاتهم الشخصية من أجل الصالح العام، وأصل المشكلة يكمن في النظام وليس في الأشخاص. حسب رد الشماع على سؤال للجزيرة نت عن أسباب عجز البرلمان والحكومة في معالجة ظاهرة الرواتب العالية للمسؤولين في الدولة، واصفا إياها بالباب الذي يدخل منه الهدر والفساد المالي والإداري.
وكان رئيس ديوان الرقابة المالية العراقية صلاح نوري قد كشف في حديث له عن وجود ما وصفها بـ”خروقات كبيرة” -في تقاعد كبار المسؤولين كأعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الحكم ومجلس النواب للدورات السابقة والوزراء السابقين جميعا- خلفت هدرًا ماليًا بلغ 53 مليار دينار عراقي (نحو 78 مليون دولار)، بعد أن كلّف مجلس النواب ديوان الرقابة المالية بتدقيق الرواتب التقاعدية لجميع الموظفين السابقين بعد عام 2003.