23 ديسمبر، 2024 3:25 م

كثير منا يتذكرون اغنية “لا تسافر” للفنان الكبير ياس خضر والتي يدعو فيها الى البقاء في الوطن وعدم مغادرته في الظروف الصعبة .. فمن للوطن غير ابنائه يدافعون عنه في الشدة والضراء ويبنونه في الرخاء .. إلا ان هذه الاغنية ومدلولها لا تعني مسؤولينا مهما كانت الظروف الداخلية حساسة ومضطربة .. فهم عطشى سفر , وراغبو استطلاع , وطالبو متعة , وباحثون عن اماكن آمنة ليس فيها دوي انفجارات ولو لأيام قليلة .. وغير ذلك كثير .. ويبدو ان الايام الشداد والمحن التي يمر بها العراق لم تمنع مسؤوليه من مغادرته الى بلدان اخرى ، للبحث في امور شتى ، يمكن اذا ماتوفرت الارادة الحقيقية ، ان يتم بحثها تليفونياً ، او من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة مع اي مسؤول في العالم ، او ارسال من ينوب عنهم للبحث في الامور المهمة التي تستدعي حواراً ومباحثات مباشرة ، اوتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم . الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء زار بروكسل لحضور مؤتمر محاربة الارهاب ، ومن هناك طار الى باريس ليلتقي الرئيس الفرنسي ، وسبق للعبادي ان زار ايران والتقى المسؤولين فيها ، وربما تلقى نصائح وارشادات من القيادة الايرانية ، وزار المملكة الاردنية الهاشمية وبعض دول الخليج لتحسين العلاقات بين العراق وهذه البلدان وفي نيته زيارة دولة الامارات العربية .. ورئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري بحث بداية هذا الاسبوع ، و نهاية الاسبوع الماضي الشأن العراقي في قطر ، وقد طابت له الاقامة في البلد الشقيق الصغير في مساحته وعدد سكانه ، والكبير في اهميته وتأثيره ، خاصة في مجال دعم الارهاب ، وسبق لرئيس البرلمان ان بحث هذا الشأن في الكويت وسبل دعمها للعراق في حربه ضد داعش ، ورئيس الجمهورية بسفر دائم فهو اليوم في السعودية وبالامس كانت له جولة في عدد من البلدان .. وسبق ان كان في امريكا لحضور جلسة مجلس الأمن الدولي .. العبادي قضى في واشنطن 4 ايام من اجل حضور جلسة مجلس الأمن الدولي ، ولقاء الرئيس الامريكي اوباما ، وسبق لرئيس البرلمان ان زار سويسرا لحضور المؤتمر البرلماني العالمي الذي عقد في جنيف . المالكي في لبنان ، والنجيفي في تركيا ، وعلاوي في قطر .. الرئاسات الثلاث خارج العراق والبلد يئن من الارهاب من شماله الى وسطه ومن شرقه الى غربه ، المئات من العراقيين يموتون صبراً ، وكبار الساسة يفاوضون ويناقشون ، وربما يتمازحون ويتجولون , ويأكلون ويشربون ، بعيداً عن الضوضاء التي تسببها الحروب الدائرة في المدن

العراقية .. تعودنا سماع أخبار من هنا وهناك بأن معظم المسؤولين في دول العالم يقطعون زياراتهم إذا ما حلت ظروف صعبة في بلدانهم ، إلا في العراق , فإن المسؤولين فيه يهرعون الى الخارج عندما تحل الازمات بالبلاد ويتمتعون بالأجواء الصافية ، وراحة البال ويعودوا بعد ان تهدأ الأزمة وتبرد دماء الضحايا . كل البلدان تناقش مشاكلها في الداخل ، سواء أكان ذلك عن طريق حوار وطني ، ام من خلال زيارة مسؤولين من دول صديقة لبحث الأزمة وايجاد الحلول لها .. إلا المسؤولين العراقيين ، فأنهم يحملون ازمات بلادهم في حقائب السفر مع ملابسهم الداخلية ليرحلوا بها بعيداً عن بيئتها ، حيث يعقدوا الاجتماعات واللقاءات ويعودوا بتأييد للقضية العراقية ، وشجب لما تقوم به عناصر داعش الاجرامية واستنكار لعمليات القتل والتهجير .. وهذه الاسلحة الفتاكة ، هي نصرة من هذا البلد او ذاك ،واحياناً يعود المسؤولون بخفي حنين ، أو بشجب واسع لما تقوم به مليشيات الحشد الشعبي من مضايقات ضد اخوان داعش واعوانهم ، كون ذلك يؤثر في بعض مكونات الشعب والوحدة الوطنية ، ويعتبر تخريبا للخطط الموضوعة ، والتي اعدت على نار هادئة في هذه العاصمة او تلك ، ويتم الآن تنفيذ فقراتها في الداخل , فقرة .. فقرة , المسؤولون العراقيون يجدون اللذة والمتعة في السفر عندما تشتد الأزمة في العراق ، وهم يعيشون لحظات سعيدة عندما يتم الاحتفاء بهم من قبل مسؤولي البلد المضيف .. ويبدو ان هذه الحالة او العادة السيئة لدى المسؤولين العراقيين سوف لن تغادرهم عن قريب ، بل انها متجذرة ومتأصلة فيهم جبلا بعد جيل ، حتى يظهر الله أمراً كان مفعولا .. وهم يتوارثون هذا الأمر ممن سبقهم ، وربما يتسلمونه في حقيبة المهمات التي تسلم الى المسؤول في اليوم الأول لإستلام مهامه وزيراً في هذه الوزارة او تلك او رئيساً للجمهورية ورئيساً للبرلمان ورئيساً للوزراء .. الوحيدون الذين لا يسافرون هم المواطنون .. فهم باقون يقومون بواجباتهم اليومية في الدفاع عن العراق وبنائه ، والدعوة له ولشعبه في صلاتهم ان يسود فيه الأمن والأمان . فرؤساء العالم ومسؤوليه يتصرفون بشكل آخر .. ففي 8 تموز عام 2009 عاد الرئيس الصيني هوجنتا الى بلاده بعد قطع زيارته الى ايطاليا لمتابعة الازمة في شينجيانج .. أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر قطع زيارته إلى بريطانيا وامريكا في الخامس والعشرين من أيلول عام 2011 لمواجهة اضطرابات سياسية وقعت في البلاد . و اللواء عباس ابراهيم مدير عام الأمن اللبناني قطع زيارته الى موسكو في العاشر من شهر آذار 2014 على أثر اختطاف 15 راهبة من قبل عناصر القاعدة , القائمة تطول ، والأمثلة كثيرة ، الا ان المسؤولين لا يقرؤون الصحافة ، لذلك تراهم يعدون حقائبهم لسفر جديد كلما عادوا
الى العراق ، لان نظرية الحكم لدينا تقول: ان مشاكل بلادنا تصنع في الخارج ، وتحل في الخارج ..!!