(حسن خويكة) من مؤدي المقام العراقي بامتياز، عاش وتوفي في النصف الأول من القرن المنصرم، أنشد في مطلع إحدى أعماله:
من البير لو مي شربت
بالك تذب بيها حجر
لابد تعود وترتوي
ويحودك عليها القدر
هي نصيحة وتوجيه ضمّنها خيوكة في قصيدة، قالها محذرا ونذيرا من سلوك يتبعه بعضنا، لا نجني منه غير الخذلان والخسارة، وبالتالي الندم والتحسر. ومنذ صغرنا ونحن نسمع أمثلة تعكس تجربة، تأخذ بتعاقب الأزمان دور الموعظة والدرس لمن يتعظ ويسترشد، منها المثل القائل: (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)، وقطعا لنا في سني حياتنا كعراقيين أعظم أرشيف، يوضح لنا بالتفصيل فحوى هذا المثل، إذ هو يتجسد فيمن يعتلون صهوة القيادة في مفاصل البلد، فهم لا يبرحون إثارة النزاعات فيما بينهم بين الفينة والأخرى، فكأنهم (شرايچ) او ضرائر يستحيل الانسجام بينهم.
كذلك من أمثلتنا القديمة التي كان أهلونا يرددونها على مسامعنا مرارا وتكرارا: (الحايط لو مال يوگع على أهله) وقطعا ما كانوا يريدون من تكراره على مسامعنا، إلا حثنا على درء المخاطر التي تحيق بنا، ذلك أن الضرر إذا وقع يصيبنا حتما، وإن لم يصبنا ينل منا شرره وشره. فترعرعنا على مبدأ الوقاية من المخاطر البعيدة والقريبة منا على حد سواء، وليس على مبدأ ابي فراس الحمداني: “إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”.
ولنتكلم عن بلدنا وما يحيطه من تغيرات ومآلات، منها ما كان في الحسبان ومنها ما لم يكن، فعراقنا منذ عقود -بل قرون- يواجه مخططات و (طبخات) تتنوع أصنافها ويتغير طباخوها، بغية تفتيته أرضا وشعبا وإرثا وثروات، حيث تتكالب عليه قوى دخيلة تتأبط له شرا، وهي قوى لا يُستهان بها ولا يمكن التغاضي عن تأثيرها السلبي، لاسيما وقد تعاونت فيها من الداخل جهات وشخصيات، لها مآرب أشبه ما تكون بمآرب (أبو رغال)، راسمة على ما يلائم مصالحها خريطة عراق مشتت، دون أن تأبه الى ما قد يصيبها من شتاته ضرر، وإن لم نأخذ بعين الاعتبار الأمثلة التي ذكرتها آنفا، ونترجمها على واقع حياتنا الخاصة والعامة على حد سواء، فإن الحال سيسير نحو الهاوية والمنزلق الخطير. وكذلك علينا العمل بجد وجهد مشتركين، يثمر لنا النجاح والفلاح والصلاح، يسبقه تخطيط عن دراية ووعي بما تضمره لنا تلك الجهات من سوء، وأن نأخذ على محمل الجد نياتهم المبطنة، وقد قالوا سابقا: (أصعده عالمطي يمد ايده بالخرج). إذ هناك من يتعمد السير عكس التيار، ويحتكم إلى خيارات نفسه الأمارة بالسوء، والتي تنحى منحى الشر، وتسعى في طريق الخراب، ومن هؤلاء اليوم نجد كثيرين ممن يتصيدون في عكر المياه، غير مبالين لمستقبل البلاد وبالتالي هو مستقبلهم أيضا لو كانوا يعلمون.
إن في عراقنا الجديد تراكمات قرون سابقة، جاءت بسبب الاحتلالات التي تعاقبت على حكمه، ومن غير المعقول ان نبلغ من القوة مبلغا، يمكّننا من التغلب على تلك العقبات دفعة واحدة، مضافا اليها العقبات التي خلفها لنا النظام السابق، فضلا عن التي استحدثها دخلاء ما بعد عام 2003، ومن غير المعقول ولا المقبول أيضا، أن نضيف ونجدد بشكل يومي مشاكل وعقبات أكثر من التي ورثناه، فيكون صنيعنا حينها كمن قال: (چمل الغرگان غطة). والحل الناجع ههنا يكمن في استئصال الخبيث قبل استفحاله، وقطع دابر السيئ قبل تمكنه وسيطرته، لتكون الأرضية صالحة لأعمال الخير، ملائمة لإنبات بذور النهوض السليم، وبغير هذا الإجراء يكون سعينا كما وصف البحتري:
إذا ما الجرح رُمّ على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب
[email protected]