18 ديسمبر، 2024 4:19 م

لا ترخوا أعنة ثيرانكم

لا ترخوا أعنة ثيرانكم

ظاهرة استعانة الحكام بوسائل الاعلام كالشعراء والكهنة ورجال الدين وقتذاك  ,واستقواء الساسة بالمداحين والمطبلين والاعلاميين والصحفيين … الخ ؛ قديمة قدم نشوء الحكومات والدول والامبراطوريات .

الا ان هذه الظاهرة كالمد والجزر ؛ تارة تتوسع وتظهر للعيان وبشكل سافر , وتارة اخرى تنكمش وتنخفض مستويات ظهورها  وتختفي خلف مسميات وعناوين مختلفة  للتمويه والخداع ؛ وفقا للظروف والامكانيات والتحديات ونوع الانظمة والسياسات .

وبعد سنوات البعث العجاف وعقود الدكتاتورية والاقصاء والتهميش وتكميم الافواه  وخنق الاصوات ومصادرة الحريات التي عاشها العراقيون ابان الحقبة القومية والبعثية الطائفية والتكريتية الهجينة , اذ لم يسمح هؤلاء الانذال من افساح المجال للعراقيين للأداء بأصواتهم فيما يخص القضايا الوطنية او التعبير عن آرائهم السياسية بحرية , وحاربوا التعددية الاعلامية والحرية الصحفية , واستخدم البعثيون والصداميون والطائفيون الاعلام كأداة لنشر الدعاية والتلاعب بالرأي العام والتحكم في تدفق المعلومات , والسيطرة الشاملة للحكومة الهجينة على المواطنين وممارسة عمليات غسل الادمغة وتغيير القناعات والضحك على الذقون , واستبعاد كل المعلومات المفيدة والوقائع والاحداث الحقيقية وتغييب الحقيقة والحق … ؛ ولم يسمحوا لأية قناة اعلامية او رأي معارض سياسي  او فكر وطني  لا يتماهى مع اطروحاتهم الهجينة بالظهور والانتشار … الخ ؛ تغيرت الاوضاع عام 2003 وجاءت الديمقراطية , وانفتحت الساحة العراقية  على مصراعيها ونشأت مئات الاحزاب والمنظمات السياسية والاف المنظمات المدنية والمؤسسات والمراكز الاعلامية والصحف والمجلات والمواقع الالكترونية والفضائيات والمحطات الاذاعية … الخ .

الا ان البعض او الاغلب استغل هذا الوضع الديمقراطي او الانفلات الامني احيانا , فقام بإنشاء جيوش الكترونية و(شلل وجوقات ) اعلامية وثقافية وسخر بعض الاقلام المأجورة والقنوات والمؤسسات الاعلامية والتي هي اشبه بالشركات التجارية التي تعمل لمن يدفع اكثر … ؛ حتى المؤسسات والقنوات الاعلامية والثقافية المستقلة او غير المسيسة سرعان ما تسلّلت اليها الأحزاب السياسية او الدوائر الخارجية المشبوهة واحكمت السيطرة عليها ,وهذا التسلّل كان طبيعياً أن يحصل ، مع أحزاب وقوى سياسية تعدّ أصلاً من صلب هذه القنوات التي انبثقت بعد سقوط نظام صدام ؛ والتي تقاسمت في مرحلة ما بعد سقوط النظام  المنابر الإعلامية وفقاً للصيغ الطائفية او القومية او السياسية ، أو ضمن «إعلام البيزنس والاغراء »… ؛ ولعل السمة المعروفة عن هذه الفضائيات والقنوات والمؤسسات والشخصيات الاعلامية ؛ الانتقائية والتسييس  … ؛ فعندما تتماهى هذه الفضائية او (الجوقة) الاعلامية مع الخطاب الشعبي المستاء من الاوضاع السلبية ؛ فأنها تفعل ذلك لا حبا منها بالجماهير والمكونات الاجتماعية المغبونة او ايمانا بحقوق الانسان ومبادئ العدالة الاجتماعية والحرية ؛ وانما بغضا بالحزب او التكتل السياسي الحاكم او المكون الاجتماعي الذي يتصدر الواجهة السياسية … , وعندما تغيب هذه القنوات وجوهاً سياسية واعلامية وثقافية  لطالما التصقت بهذه الشاشات والقنوات ، او تسلط الاضواء على الامعات والنكرات والشخصيات المجهولة  ؛ لا يندرج فعلها هذا , ضمن دائرة  احترام عقول المشاهدين او مبادئ الصحافة والاعلام او الالتزام بالقوانين النافذة ؛ بقدر ما يتعلق بالسياسات وطبيعة التحالفات والمؤامرات الانية ؛ فضلا عن ان هذه القنوات والفضائيات والشخصيات تتهم الاخرين المعارضين والمختلفين معها ؛ بالشيطنة دائما وابدا بينما تخفي كل عيوب الساسة وشوائب الاحزاب  التي تساندها هذه القنوات والفضائيات والشخصيات , والمتابع  للإداء الاعلامي والثقافي و الأنشطة الاعلامية  يجد انها تسير وفقا لخطط مدروسة ومتفق عليها .

وبعض الاقلام المأجورة والشخصيات الاعلامية المرتزقة والاعلاميين والمثقفين المؤدلجين والمغردين والناشطين في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ؛ من الذين ساروا في ركب الاحزاب والشخصيات السياسية او دوائر الظلام الخارجية والاجندات المشبوهة ؛ اصابها الغرور والتكبر , وراحت تهرف بما لا تعرف , او تخبط خبط عشواء ؛ والبعض منهم لا يغرد ولا يكتب ولا ينشر فيما يخص القضايا الوطنية والسياسية الحساسة الا وهو سكران حد الثمالة ؛ مما قلب الفرض رأسا على عقب ؛ اذ ان المفروض بهؤلاء الاعلاميين والمثقفين والمحللين السياسيين  العمل وفقا لما تمليه عليهم السلطات والجهات والشخصيات ؛ لا ان يفرض رؤيته الشخصية عليها ؛ مما تسبب بحدوث الكثير من الهجمات الاعلامية والتراشق السياسي والتنابز بالألقاب والتنمر والاستهزاء بالساسة والشخصيات والمكونات والطوائف والقوميات , وارباك الاوضاع العامة وبث الدعايات وترويج الشائعات وتوسيع دائرة الانقسامات السياسية والطائفية  والاخلال بالأمن الاهلي والسلم المجتمعي .

ومما جاء في الفلكور الشعبي الجنوبي العراقي : ان ابليس قال لاحد الشياطين : ان باستطاعته افتعال الفتنة الكبيرة من خلال الحدث البسيط , وطالبه الشيطان بالدليل والبرهان على ذلك , وذهب ابليس بمعية الشيطان الى مزرعة تقع ضمن قرية , يمتلكها احد الفلاحين المسالمين , ورأى ثورا مربوطا , فقام ابليس بإرخاء الحبل , فتحرك الثور وهاج وانطلق بسرعة يخرب الزرع , وينطح كل شيء يراه امامه , وعندها دهش الفلاح وغضب , وتكلم مع زوجته واتهمها بالقصور في اداء واجباتها وانها السبب في كل ما حصل , فردت عليه زوجته وقسمت بانها ربطت الثور جيدا , وتشاجرا وعلا صراخها , فقام الفلاح بضرب زوجته على رأسها بالهراوة (التوثيه) فسقطت ميتة , وسمع اهلها بالفاجعة , وهجموا على الفلاح وقتلوه , واجتمعت عشيرة الفلاح وهجموا على عشيرة الزوجة المقتولة , وتقاتل الجميع , ودمرت القريتين بالكامل … ؛ عندها قال ابليس للشيطان : أرايت كيف ان الحدث البسيط قد يؤدي الى الدمار الكبير الذي يحرق الاخضر واليابس ولا يسلم منه احد  ؟!

فإذا ما أرادت الأحزاب والشخصيات السياسية ، المشاركة الفاعلة  والسليمة والصحيحة في العملية السياسية والحفاظ على امن وامان المجتمع , والنأي بالنفس عن الصراعات مع الاخوة والشركاء , وصون المكتسبات الايجابية الوطنية … ؛  فينبغي عليها أن تتغلّب على الاصوات النشاز والشخصيات المرتزقة والمتقلبة والمزاجية وغير المنضبطة , وذلك من خلال لجم حمير وجحوش وثيران الجيوش والشلل الالكترونية و الاعلامية والثقافية , وعدم ارخاء اعنة الثيران التي تعمل ضمن دوائر التوجيه السياسي .