في عالم السياسة ، يُستخدم تعبير “الرهان على الحصان الخاسر” كاستعارة لوصف دعم لدولة ما , أو الانحياز لمرشح , أو طرف سياسي , او محور او تحالف … , يُعتبر ضعيفًا أو غير مرجح للفوز في معركة انتخابية أو صراع سياسي او حرب عسكرية او اقتصادية … الخ , و هذا المفهوم يعكس قرارًا استراتيجيًا أو شخصيًا قد يتخذه الأفراد أو الجماعات أو الدول والحكومات ، بناءً على تحليلاتهم أو مصالحهم أو أملهم في تحقيق مفاجأة قد تغير موازين القوى على ارض الواقع ؛ ففي عالم السياسة، يوجد دائمًا حصانان يتنافسان على السلطة والهيمنة والنفوذ , سواء على الصعيد المحلي او الاقليمي او العالمي ؛ وقد يشترك اكثر من حصان في حلبة السباق ؛ ومما لا شك فيه ان الحصان الأول هو الحصان الرابح والفائز ،و الذي يمتلك القوة والشعبية والقدرة على الفوز ؛ بينما الحصان الثاني هو الحصان الخاسر والخائب والضعيف , فضلا عن الحصان الاخير ، والذي يفتقر إلى هذه الصفات ويتعرض للهزيمة دائمًا … ؛ نعم قد تربطنا بالحصان الخاسر او الضعيف او الاخير ذكريات جميلة عندما كان قويا و وفيا وسريعا يسابق الريح , الا ان هذه الذكريات الجميلة والتصفيق الحار والدعاء له بالفوز على بقية الخيول ؛ لا يغير من الواقع شيئا , فالغلبة للحصان القوي والسريع وان كان عدوا مبينا , ولا تربطنا به وشيجة .
في عالم السباقات، تُعتبر الخيول من أبرز الرموز التي تجسد القوة والسرعة والأناقة , ولكن في كل سباق، هناك دائمًا حصان يُعتبر “الخاسر” مسبقًا، سواء بسبب تاريخه الضعيف أو أدائه المتواضع في التدريبات او نوع سلالته الوراثية , او أن البيانات المتاحة عنه قد تكون محدودة أو غير دقيقة , ومع ذلك، يجد بعض المراهنين أنفسهم مجذوبين إلى الرهان على هذا الحصان الخاسر، إما بدافع المغامرة أو الأمل في تحقيق عائد مالي كبير فيما بعد او بسبب الأيديولوجية والمبدئية او العواطف والذكريات والشعارات … ؛ والرهان على الحصان الخاسر في عالم السياسة يعني دعم وتأييد الحصان الذي يفتقر إلى القوة والشعبية والمهارة ؛ وبالتالي يعتبر هذا الرهان خاطئًا ومؤذيًا للسياسة والبلاد، لأنه يؤدي إلى تعزيز الفشل والهزيمة وتوالي الخسائر والانتكاسات , فالشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع ؛ كما أن الاعتماد على الحظ في هذا النوع من الرهان يمكن أن يؤدي إلى خسائر متكررة، خاصة إذا لم يكن المراهن يمتلك استراتيجية واضحة أو فهمًا عميقًا لعالم سباقات الخيل ؛ فمن المهم أن يتم تحليل السباق بشكل دقيق، وفهم العوامل التي يمكن أن تؤثر على أداء الحصان، مثل حالة المضمار، وتاريخ الحصان، وحتى حالة الطقس … الخ ؛ كما أن تحديد ميزانية واضحة للرهان وعدم تجاوزها يُعتبر أمرًا ضروريًا لتجنب الخسائر الكبيرة ؛ ففي النهاية، الرهان على الحصان الخاسر يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية متوازنة، وليس مجرد مغامرة عشوائية قد تحرق الاخضر واليابس .
وهناك عدة أسباب تجعل الرهان على الحصان الخاسر في السياسة خاطئًا :
1- النقص في القدرة على الفوز: الحصان الخاسر يفتقر إلى القدرة على الفوز، مما يعني أن دعمه سيؤدي إلى الهزيمة دائمًا , وعلى انتصار الغير .
2- التأثير السلبي على البلاد : الرهان على الحصان الخاسر يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على البلاد، مثل الفقر والبطالة والانقسام بل وسقوط الحكم احيانا .
3- تعزيز الفشل : الرهان على الحصان الخاسر يعني تعزيز الفشل والهزيمة، مما يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في السياسة والبلاد , واضعاف الحالة المعنوية للشعب وانكسار الارادة الوطنية .
لذلك، من المهم الرهان على الحصان الرابح في السياسة ، والاعراض عن العواطف والذكريات والشعارات ؛ فالأمم والشعوب والدول لا تبنى بهذه الامور ؛ ويبقى القول الفصل للقوة والهيمنة والسيطرة العسكرية والاقتصادية والنفوذ الاعلامي والاجتماعي والثقافي , والمراهنة على الحصان القوي تعني المراهنة على القوة والفوز وتجنب الخسارة الفادحة , مما سيؤدي الى تعزيز النجاح والازدهار في البلاد، او لا أقل سوف يجنبها الحروب والويلات والنكبات , ويجعل السياسة أكثر فعالية وملاءمة لمصالح البلاد والمواطنين .
واعلم بان دعمك للحصان الخاسر يقويه ويضعف موقفك ويحرمك من الارباح التي تأتي من الرهان على الحصان الرابح والقوي ؛ فضلا عن المخاطرة بالإفلاس والخيبة ؛ وعالم السياسة لا يعترف الا بالقوة والمصالح فالدول القوية لا يوجد أصدقاء او اعداء دائمون لديها انما مصالح دائمة فحسب , ومن يغفل عن هذه الحقائق السياسية ويفضل دعم الحصان الضعيف ويترك خيار المراهنة على الحصان القوي ؛ وقد يكون الدافع وراء دعم الحصان الخاسر التزامًا أيديولوجيًا أو شخصيًا او عقديا كما مر عليكم انفا ؛ فقد يؤمن البعض بقضايا أو مبادئ معينة يدافع صاحبها عن مصاديقها الخارجية و التي قد يكون من ضمنها الحصان الخاسر والخيول المريضة ، مما يجعله مستعد لدعمه ودعمها حتى لو كانت فرص الفوز ضئيلة والنتائج وخيمة … ؛ سيصاب بالخيبة والنكبات والهزيمة والويلات والخسائر والانتكاسات .
نعم ان الرهانات على الخيول الخاسرة والمريضة قد يتطلب استنزافا كبيرا للموارد المالية , مع العلم باستحالة العائد المالي الملموس من وراء هذا الدعم والرهان ولو على المدى البعيد , مما يعرض مستقبل الداعمين للخطر والافلاس , فضلا عن ان الانحياز لطرف خاسر قد يؤثر على سمعة الداعمين، خاصة إذا كان الفشل واضحًا أو مدويًا ؛ فقد يُنظر إلى هذا الدعم على أنه ضعف في التحليل السياسي أو اتخاذ القرار , او قد يربط مصير الداعم مع الحصان الخاسر والمريض ؛ وقد تطلق طلقة الرحمة فيما بعد عليهما معا ؛ ففي السياسة لا مكان للمبدئية الثابتة والاحكام المتحجرة والشعارات الهلامية والطوباوية ؛ اذ قد تتغير الشعارات والتحالفات بسرعة البرق , فقد يجد الداعمون للخيول المريضة انفسهم في مواقف حرجة وصعبة , لاسيما وانهم يعلمون علم اليقين بعدم فائدة تلك الخيول الخاسرة في مجريات الاحداث احيانا , وان القوة والغلبة للخيول الفائزة والقوية , فالداعم لا تقتصر خسارته على ذهاب الاموال في الرهان على الحصان الخاسر فقط , بل يضطره الى معاداة الخيول القوية ومقارعة الاقوياء , مما يؤدي الى هلاكه وافلاسه .