18 ديسمبر، 2024 2:59 م

لا تراهنوا على أمريكا

لا تراهنوا على أمريكا

لازال البعض من العراقيين يراهنون على المشروع الأمريكي في العراق ، ويمنون النفس بان  الحرية والتقدم والرفاهية لا تأتي إلا عن طريق الحلم الأمريكي ، الذي بدا كابوسا مرعبا جثم على صدر العراق لأثني عشر سنة ، لم يخلف غير الموت والإرهاب والدمار ، هذا هو الحلم الأمريكي الذي تشدقت به الجيوش الفاتحة التي أسقطت الصنم ، صنيعتها المنتهية صلاحيته ، لم تعرف أمريكا معنا للمصداقية أو النبل منذ تأسيسها على دماء الشعوب ورفات أجسادهم قبل خمسة قرون ، ولم تكن يوما حليفا إلا لمصالحها وأطماعها التوسعية ، فتاريخها الغير مشرف مع شعوب الأرض لا يمكن أن يسمح لها ان تكون حلما ورديا للآخرين ، جاءت أمريكا إلى العراق وهي تحمل في ثناياها مشروعها ( الشرق الأوسط الجديد ) الذي سيعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بأسرها ، ويفرط عقد دولا شكلت هاجسا للنظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا ، ودولا ممانعة للتمدد الإسرائيلي في المنطقة … لم يشكل العراق مجالا حيويا لأميركا يوما من الأيام ، ولم يكن النفط احد أسباب قدومها إليه واحتلاله ، بوجود حليفاتها ممالك وإمارات النفط في الخليج العربي ، التي ضمنت لها أمريكا استقرار النظم السياسية فيها  شرط انتظام وضمان تدفق النفط إليها … العراق بكل ارثه الحضاري والإنساني وبما يحتويه من ثروات وطاقات بشرية ، هو مشروع مستقبلي نهضوي ، إذا ما توفرت القيادات الوطنية لحكمه في وقت ما ، فانه سيصبح خطرا كبيرا يهدد المصالح الأميركية و الوجود الإسرائيلي في المنطقة ، وسيتحول إلى بؤرة استقطاب سياسية واقتصادية بإمكانه تغيير قواعد اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط ، وهذا ما تخشاه أميركا وما جاءت من اجله ، إن سياسة الإغماء التي تتبعها أميركا الآن في العراق عن طريق إدخاله بدوامة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصراعات الاثنية والقومية ، واستنزاف ثرواته بمحاربة الإرهاب ، وتشكيل نظام سياسي هش ينخره الفساد الاداري والمالي  أشرفت هي على رسم ملامحه وفق رؤية المحاصصة والتوافق ،  كل هذه الامور ما هي إلا تمهيد لانجاز هذا المشروع ألتقسيمي  ، وما الإرهاب المتمثل بداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة إلا ذراع  لها ، رسمت له دوره التخريبي بإتقان ، وستعمل هي على انهاء وجوده بعدما توصل مكونات المجتمع العراقي الى درجة من الاحتقان والشد الطائفي والقومي  لدرجة يقتنع فيه الكثير من العراقيين إن لا حل لمشاكلهم وأزماتهم سوى التقسيم … اعتقد الكثير من العراقيين بان أمريكا جاءت محررة فاتحة ، وتوقعوا أن تصنع من العراق أنموذجا يحاكي ما فعلته في اليابان وألمانية الغربية ، بعد الحرب العالمية الثانية ، مع الفارق في طبيعة هاذين المجتمعين مع طبيعة وظروف المجتمع العراقي ، لكن كان المتوقع إن تحدث فارقا ايجابيا فيه ولو على المستوى الإقليمي ، وتناسوا ان أمريكا كانت تعمل آنذاك وفق رؤية تختلف كليا عما تراه الان ، وظروف دولية حتمت عليها أن تصنع أنموذجين رأسماليين مثاليين  لإيقاف المد الشيوعي في شرق أسيا وأوربا ، أبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي … لكن الذي حدث إن أمريكا صنعت من العراق أنموذجا في غاية البؤس ، ومفتاحا لربيع التطرف العربي ، وهاهي اليوم تميط اللثام عن وجهها القبيح وتكشر أنيابها لتمزق وحدة النسيج الاجتماعي العراقي بمشروعها سيئ الصيت والقاضي بالتعامل مع أكراد وسنة العراق على إنهما دولتين ، ليصبح اللعب على المكشوف ، ولو كنا دولة تحترم وجودها وشعبها واستقلاليتها ، لكان السفير الأمريكي القابع بالمنطقة الخضراء  يتمتع الآن بإجازة إجبارية في بلده بعد أن يتم اعتباره شخص غير مرغوب فيه من قبل الحكومة العراقية … لكن للأسف استقبل العراقيون هذا المشروع وهم في اشد حالات الاختلاف والتقاطع ، بين مرحب ورافض لهذا المشروع ، وفق نظرة ضيقة لا تتعدى حدود العقد الطائفية والقومية … لذلك على الجميع ان يدرك بان أمريكا في العراق فرس رهان خاسر ، وان المراهنة عليها في هذا الظرف العصيب الذي يمر به بلدنا ( كالمستجير من الرمضاء  بالنار ) .. ولا رهان سوى على وحدتنا وثوابتنا الوطنية وانتمائنا لأرضنا ، فهو السبيل الوحيد الذي يمكن الجميع من عبور هذه المحنة  .