عندما يدعو النائب عن نينوى في البرلمان العراقي عبد الرحيم الشمري إلى حجب فرص التعيين في الوظائف الحكومية عن شريحة من أبناء محافظة نينوىممن درسوا في جامعات وكليات أقليم كوردستان العراق،فأنه بهذه الدعوة يتعامل معهم باعتبارهم أشبه بمجرمين،ينبغي معاقبتهم على جرم لم يرتكبوه،وذلك بحرمانهم من أبسط حقوقهم في التعيين بوظائف حكومية، دعوة الشمري جاءت بعد أن أعلنت محافظة نينوى عن توفير 17 ألف وظيفة جديدة لعام 2024 بصيغة عقود عمل مؤقتة،وبأجرشهري قيمته 300 الف دينار .
أرجو أن لاينسى سيادة النائب بأن الذي دفعهم إلى الدراسة في جامعات أربيل ودهوك والسليمانية،أن أغلبيتهم أضطروا مرغمين إلى الهرب من نينوى مع عوائلهم، بعد أن تحولت هذه المدينة طيلة العقدين الماضيين، إلى أكبر مسلخ بشري لكل الشرفاء والوطنيين والمعتدلين، على يد الجماعات الاسلاموية المتطرفة .
وكأنك ياسيادة النائب عندما تدعو لحرمانهم من فرص التوظيف،تقصد أن تقتص منهم ،لأنهم نفذوا بجلدهم من حلبة الموت،وتحملهم مسؤولية ماوقع من ظلم على الذين بقوا في نينوى ولم يستطيعوا الهرب منها. في المقابل فإنكتكاد بهذه الدعوة أن ترفع المسؤولية عن المتسببين الحقيقيين للكوارث التي سقطت على المدينة من نواب وساسة و أحزاب وقادة أجهزة أمنية وعسكرية،نتيجة فسادهم وتكالبهم على المناصب والامتيازات،وتواطى الكثير منهم مع الجماعات الارهابية قبل العاشر من حزيران 2014 .
إذا كان لديك موقفا سلبيا من حكومة اقليم كوردستان،فإن هذا ليس مبررا منطقيا لخلط الأوراق،فتدعو لمعاقبة من لايستحق العقاب،وتجرِّم من لايستحق التجريم،بالتالي لن تكسب من وراء ذلك سوى أصوات حفنة عنصريين وانتهازيين يتحينون الفرص لكي يصطادوا بالماء العكر،ودائما ما كانوا وراء أغلب النكبات التي مرّت على العراق وعلى نينوى .
جاءت دعوة الشمري في لقاء متلفز أجري معه يوم أمس من قبل مراسل راديو هلا إف إم ، فصرَّح بأن “مجلس النواب والمحكمة الاتحادية لم يقرا بقانونية هذه الجامعات ولاتبعيتها لوزارة التعليم“ .
والسؤال الذي يطرح هنا:لقد تخرج العشرات من هذه الجامعات من أبناء نينوى طيلة السنين الماضية،الكثير منهم انخرط في سلك الوظيفة الحكومية، في التعليم والطب والمحاماة والهندسة والزراعة.. الخ،فلماذا لم يعترض عليهم أحد إذا كانوا قد تخرجوا من جامعات غير معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي في بغداد ؟ ولماذا الشمري اليوم يلقي المسؤولية عليهم ويجعلهم يدفعون ثمنا باهظا من مسيرتهم العلمية والحياتية ؟ ولماذا لم تعلن بغداد صراحة وعبر القنوات الرسمية عن عدم اعترافها بهذه الجامعات ؟ .
كان من الأولى أن تعالج وزارة التعليم العالي في بغداد هذا الخطا في ما لو أفترضنا وجود هذا الخطأ،على الأقل حتى تكون الأمور واضحة مسبقا لدى أبناء نينوى،من النازحين والمهجرين والمقيمين ،قبل أن يتورطوا ويدرسوا في جامعات الاقليم ومن ثم يضيع جهدهم ويتحطم مستقبلهم .
نرجوا أن لايدفع هؤلاء،ثمن خصومات سياسية ومشاعر عدائية(مهما كانت دوافعها وأسبابها) قد يحملها البعض من ساسة ونواب نينوى،تجاه حكومة اقليم كوردستان،فالخريجون لاذنب لهم حتى يتم تحويلهم إلى ساحة مفتوحة لتصفية حساباتهم،سواء كانت سياسية أوقومية أوشخصية، ولا يحق لأي جهة أو مسؤول أن يمارس سياسة دعائية،لكسب نقاط انتخابية على حساب سلب حقوق آخرين وتدمير مستقبلهم،ومن ينخرط بمثل هذه الدعوات ويستجيب لها، سواء كان ذلك عن وعي أو دون وعي بدوافعها ونتائجها، سيكون قد أرتكب جرما بحق شريحة من أبناء نينوى،وهم جزء من بناة مسقبلها،وهؤلاء لايقارنون بجمهور المهرجين الذين اتسعت رقعتهم في عراق ما بعد العام 2003 ممن يصفقون لأي صوت يغازل غرائزهم القبلية والطائفية والقومية .
ينبغي أن لاننسى كيف أصبحت مدن الاقليم طيلة سنوات الرعب والموت ملاذا لكل الذين ضاقت بهم سبل النجاة بسبب ارهاب تنظيمات القاعدة وداعش وبقية المليشيات الاسلاموية المتطرفة.وكان المسؤولون الحكوميون والسياسيون والحزبيون والعشائريون في محافظة نينوى،في مقدمة من لجأوا الى الاقليم(ومازالوا فيها) حفاظا على حياتهم وحياة عوائلهم وأموالهم، وأصبحت لهم في مدن الاقليم تجارة ومكاتب وعقارات ومصالح وأرصدة في البنوك،ولو عاد جميع النازحين والمهجرين إلى مدينتهم نينوى،فإن مسؤولي المحافظة سوف لن يتخذوا قرار العودة إليها مع عوائلهم،وأسبابهم في ذلك معروفة،فنينوى(المأكولة المذمومة)بالنسبة لهم تبقى شريان الثروات والامتيازات والوظائف التي لن يجدوا لها مثيلا، وسيبقى الاقليم أفضل مكان آمن لهم ولعوائلهم،إذا ما قورن باي مدينة عراقية أخرى لأنهم عجزوا وتقاعسوا عن تحقيق الأمن والأمان والرخاء والعيش الكريم في نينوى .
سيادة النائب،إن الذين تخرجوا من جامعات اقليم كوردستان،من أبناء محافظة نينوى،ليسوا مواطنين من الدرجة العاشرة،ولاطارئين على المدينة التي شهدت ولادة آبائهم وأجدادهم،وليسوا إرهابيين ولادواعش ولافاسدين ولامرتشين مثل أغلب الذين يخوضون في مستنقع السياسة العراقية ،وليس الآخرون بأفضل منهم درجة في المواطنة والحقوق .فلا يحق لاي شخص،مهما كان موقعه السياسي أن يجرّدهم من حقوقهم التي كفلها الدستور.
وفي ما لو صدر عن محافظة نينوى قرارا يتفق ويتماهى ويتجاوب مع دعوتكم، فلن يكون إلاَّ جريمة،تواطأ على تنفيذها من كانت لديهم مآرب أخرى لاصلة تجمعها مع مصلحة نينوى وأبنائها .