علق وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر، عقب هزيمة جيش صدام من الكويت، قائلا: “سينتهي صدام ولن تذرف دمعة واحدة عليه”.
ولأن بيكر محامٍ وسياسي أمريكي، شغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض ووزير الخزانة في عهد رونالد ريجان ووزير خارجية ورئيس أركان البيت الابيض، في إدارة صديقه الشخصي جورج بوش الأب؛ فإنه يهندس الحاضر تأسيسا للمستقبل، وفق نظريات الإستقراء المنطقي.. ميدانيا، كما لو يشاهد فيلما او يقرأ رواية.. إنهم أناس يمسكون مجسات الواقع، على مدى عقود من السنوات المقبلة.
وإستنادا الى الفقه الاسلامي، الذي يطبقه الغربيون.. مستفيدين من نعمة الوحي الإلهي التي أسبغها الرب على العرب، فأفلتوها وتلاقفها غير المسلمين؛ فإنهم يقيسون الغائب على الشاهد، وهذا ما لم يفيد منه العرب، الذي رحمهم الله برسالة سماوية أعطتهم فرصة الإحاطة بالحاضر والمستقبل، لكنهم فرطوا بها سافحين النصوص المتوزعة بين آيات قرآنية وتعاليم دينية وأحاديث نبوية وحكم تشريعية للخلفاء الراشدين والأئمة المعصومين والمجتهدين.
ترك العرب كل تلك المعطيات المنهجية، في تسيير حاضرهم بيسر يتخطى العقبات الى مستقبل أكيد، وأفاد منها الآخرون.
فبيكر أدرك ببصيرة ثاقبة، أن نهاية صدام حسين، بدأت مع غزوه الكويت، في حماقة فالتة من حسابات الدبلوماسية.
تحايل صدام على حتمية التاريخ، بـ 13 سنة فوق البيعة.. خارج الإتفاق؛ لأنه أقلق أمريكا من حلول قوى لا تحبها على دفة الحكم؛ إذا لم يساعدوه في قمع إنتفاضة آذار 1991، وفعلوا! إلا أنهم أبقوه ريثما حسموا الإحتمالات…
وأنا وسواي نراقب الأحداث؛ عرفنا أنه سينتهي، وبقاؤه في الحكم، بعد إنتهاء الحرب العراقية – الايرانية، مجرد وقت، تستثمره أمريكا في إنضاج الموقف، وتستغل وجود صدام في تشكيل معارضة هشة.. فاسدة.
ما توقعه بيكر لصدام، حدث فعلا يوم الأربعاء 9 نيسان 2003، والمعطيات كلها تشير الى ان الزمن يعيد نفسه، والتاريخ محوري، يدور حول اسباب تؤدي الى نتائج محددة، كلما إكتملت الدائرة.
الدائرة الآن إكتملت، وسيصيب بالفاسدين الذين عاثوا في العراق، منذ 2003 الى الآن، ما حل بصدام “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون” جزاء الخيانة والفساد والتلاعب بمقدرات الشعب، وفوق ذلك كله.. وأدهم التجربة، مبددين فرحة العراقيين بسقوط الطاغية، الذي لخصته عجوز، بالقول: “سخم الله وجوهكم؛ بيضتم وجه صدام”.
وآخرها النزوع الى التضحية بالعراق، درأً للخطر عن دولة أجنبية.. لا يصح إستدراج العراق ليكون ماشة نار ودرعا واقيا، لسواه من دول الإحتقانات العالمية.. فالأجنبي يبقى أجنبيا، مهما لوح بصداقة احادية المنفعة.
لا نريد حربا بالنيابة.. هذا هو منطق الشعب وقناعة المرحلة؛ فلنبنِ بلدنا ونستثمر ثرواتنا ونحقق رفاها للشعب، بدل الولوج في محرقة حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
من في عنقه بيعة لدولة ستحارب، فليحارب شخصيا وليس بإسم العراق رسميا.. لا يحق له جر البلد معه الى ولاءات ذاتية؛ بغية الوفاء بدينه الشخصي لها.. فردا!
ومن يعتقد ان تلك الدولة بوابته الى الجنة، فليدخل جنة تلك الدولة، من على أرضها وليس بسحب الحرب من دولة الولاء الى العراق، جاعلا من بلاد الرافدين جبهة قتال، تذود عن سواها.
العراقيون غير معنيين بمن يشاء رد الجميل، والرأي الشعبي العام، يقول: “لا تدفعوا العراق الى قلب العاصفة”.