جميلة وخالدة تلكم العبارة الشهيرة التي أطلقها ، روبير تورغو، وهو اقتصادي وسياسي فرنسي أراد تغيير السياسات الاقتصادية لبلاده في القرن الثامن عشر و كان له تأثير كبير على ” آدم سميث ” الذي قام لاحقا بتأليف كتابه الشهير (ثروة الأمم ) يقول تورغو ” إذا لم نحارب الفقر والجهل ، فسنضطر يوماً لمحاربة الفقراء والجهلة” .
ولم تكن كلمات ، المفكر ، عبد الرحمن الكواكبي ، في كتابه ذائع الصيت، (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) أقل شأنا من سابقتها حين قال ” أشد مراتب الاستبداد هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية” .
فيما يقول ،استاذ الاجتماع الكبير ، الغني عن التعريف ، الدكتور علي الوردي ، في كتابه ( وعاظ السلاطين ) ” وعاظ السلاطين يتركون الطغاة يفعلون ما يشاؤون ويصبون جل اهتمامهم على الفقراء فيبحثون عن زلاتهم وينذرونهم بالويل والثبور” .
حقا “بعد الطز …ألف تحية فماذا تتوقع من أمة تعيش في مستنقع ” هكذا استفز الأديب السوري ، بلال فوراني ، الحكام وحاشيتهم في طول الوطن العربي وعرضه وان كنت اختلف معه في بعض ما يطرحه وبالأخص فيما يتعلق بالأسد فيما أتفق مع آخر، وان كانت كلمات فوراني ثورة غضب على كل مايجري في العالم العربي فأن كلماته تصلح للعراق تحديدا وبالأخص قوله ” تبا صرتُ أؤمن بشدة أنّ أكثّر الحفاة منّ يتركون أثر أقدامهم بعد رحليهم أما أولئكّ فهم يتركونّ أثار أحذيتهم …لا أكثّر”.
لقد شهدت البصرة التي تركت في قلبي حسرة كما تقول اغنيتها الفولكلورية الشهيرة سابقة خطيرة لم تشهد البلاد نظيرا لها من قبل ، حين قامت القوات الأمنية في المحافظة باعتقال عدد من المتظاهرين في ابو خصيب بعد توجيه تهم الإرهاب اليهم على خلفية خروجهم بتظاهرة للمطالبة بالإفراج عن زملاء لهم تم اعتقالهم ايضا في وقت سابق على خلفية مشاركتهم في تظاهرات مماثلة طالبت بتوفير الخدمات !!!
وهنا لا يسعني الا ان اقول بأن الخوف من التظاهرات السلمية المطالبة بحقوقها المشروعة يدفع الى الإصلاح لا الى القمع والتحذير والاعتقال وكفى بنا بتجارب المحيط الأقليمي واعظا فهنالك سؤال ملح يفرض نفسه وبقوة على الساحة العراقية الا وهو الى متى يظل المواطن العراقي يعيش على الهامش من دون خدمات ولا رعاية صحية بالتزامن مع انقطاع الكهرباء وغياب الماء الصالح للشرب واستشراء الفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة وارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت حاجز الـ مليونين ونصف المليون والأمية الأبجدية التي فاقت معدلاتها الـ 7 ملايين أمي في بلد علم شعوب الأرض كتابة اول حرف في التأريخ ، فضلا عن تنصل الحكومة عن وعودها بتثبيت اصحاب العقود والأجراء اليوميين في دوائرها بذريعة التقشف فيما لم تكلف الجهات المسؤولة نفسها بالبحث عن 600 مليار دولار اختفت منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وحتى اللحظة مضافا لها التنصل عن وعودها بتخفيض رواتب المسؤولين والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة والمستشارين الحقيقين منهم والوهميين والكشف عن الفضائيين ، اليس من حق المواطن ان يتظاهر للتعبير عن معاناته بغياب أية بارقة أمل ؟ لماذا التخويف من وجود مخطط خبيث ومؤامرة خفية تقف خلف التظاهرات كما في كل مرة فيما لايوجد خوف مماثل من وجود مؤامرة حقيقة تقف خلف سرقة ثروات العراق ونهب خيراته ووتهريب آثاره وتجويع شعبه من دون مساءلة وملاحقة قانونية تذكر على الأطلاق ؟والأمثلة أكبر من العد والحصر .
هنالك حكمة تقول “الجوع كافر لايرحم ” فمن اراد كبح جماح التظاهرات السلمية ضد الحوع ومسببيه فليحارب الجوع والفساد المالي والأداري المفضي اليه اولا وقبل اي اجراء آخر لأن صناع الجوع من اصحاب الكروش والقروش اولى بالمكافحة من ..ضحاياه !! وأذكر بقول الأمام علي رضي الله عنه : ( لوكان الفقر رجلا لقتلته ) .
ومناسبة الحديث عن الجوع ان مؤتمرات باتت تعقد الان للتحذير من تظاهرات محتملة تحمل اجندات ما على حد وصف المؤتمرين في محافظات الوسط والجنوب احتجاجا على تردي الخدمات والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية.
وانوه الى ان نصف ثرواتكم تكفي لتفويت الفرصة على المتصيدين بالماء العكر واطعام الأفواه والأرانب الجائعة ، علما انكم لم تكونوا تحلمون بعشر ماتملكون الآن من ثروات ان لم يكن أكثر قبل بضع سنين لاأكثر فمن اين لك هذا يا…هذا ؟!! .